(المقصد العاشر في التوبة وفيه بحثان) الأول في حقيقتها وهي) في اللغة الرجوع قال الله تعالى ثم تاب عليهم ليتوبوا أي رجع عليهم بالتفضل والإنعام ليرجعوا إلى الطاعة والانقياد وفي الشرع (الندم على معصية من حيث هي معصية مع عزم أن لا يعود إليها إذا قدر عليها فقولنا) الندم لما سيأتي من الحديث وقولنا على معصية لأن الندم على فعل لا يكون معصية بل مباحا أو طاعة لا يسمى توبة وقولنا (من حيث هي معصية لأن من ندم علي
شرب الخمر لما فيه من الصداع ونزف العقل) أي خفته وطيشه (والإخلال بالمال والعرض لم يكن تائبا) شرعا (وقولنا مع عزم أن لا يعود إليها زيادة تقرير) لما ذكر أولا وذلك (لأن النادم على الأمر لا يكون إلا كذلك ولذلك ورد في الحديث الندم توبة) واعترض عليه بأن النادم على فعل في الماضي قد يريده في الحال أو الاستقبال فهذا القيد احتراز عنه وما ورد في الحديث محمول على الندم الكامل وهو أن يكون مع العزم على عدم العود أبدا ورد بأن الندم على المعصية من حيث هي معصية يستلزم ذلك العزم كما لا يخفى (وقولنا إذا قدر لأن من سلب القدرة على الزنا وانقطع طمعه عن عود القدرة) إليه (إذا عزم على تركه لم يكن ذلك توبة منه) وفيه بحث لأن قوله إذا قدر ظرف لترك الفعل المستفاد من قوله لا يعود وإنما قيد به لأن العزم على ترك الفعل في وقت إنما يتصور ممن قدر على ذلك الفعل وتركه في ذلك الوقت ففائدة هذا القيد إن العزم على الترك أوليس مطلقا حتى لا يتصور ممن سلب قدرته وانقطع طمعه بل هو مقيد بكونه على تقدير فرض القدرة وثبوتها فيتصور ذلك العزم من المسلوب أيضا
____________________
الشافعية القائلين بأن العام دليل فيه شبهة وأما على مذهب الحنفية القائلين بأن العام قطعي كالخاص إلا إذا خص منه البعض فالجواب أن يقال قد خص الشفاعة لزيادة الثواب حيث قبلت للمؤمنين اتفاقا والعام الذي خص منه البعض ظني بالاتفاق فيجوز تخصيصه بالأحاديث الواردة في الشفاعة لأهل الكبائر والله أعلم (قوله من حيث هي معصية) أي لكونه معصية قال في شرح المقاصد الندم لخوف النار أو لطمع الجنة هل يكون توبة فيه تردد بناء على أنه ندم لكونه معصية أم لا والحق إنه لا تردد لأن معنى كونه معصية أنها تبعد من الجنة وتقرب من النار ولا يقرب الرجل منها إلا لهذين المعنيين نعم خلوص التوبة أن يكون لوجه الله تعالى لا لطمع جنة ولا لخوف نار لكن التوبة من المعصية من حيث هي معصية يعم الكل والله أعلم (قوله مع عزم أن لا يعود إليها) اعترض عليه بأن فعل المعصية في المستقبل قد لا يخطر بالبال لذهول ونحوه فالعزم على ترك المعاودة إنما يقارن التوبة في بعض الأحوال ولا تطرد في كل حال وجوابه يفهم من قول الشارح ورد بأن الندم الخ (قوله وفيه بحث لأن قوله الخ) مبنى كلام المصنف إن الظرف متعلق بالعزم ومبنى البحث على أنه متعلق بالنفي المستفاد من لا يعود