جهة أخرى (و) يدوم له (ألمه ولذته كذلك لا يخلص له أحدهما) في حياته الدنيا ولا نسلم إن الخلوص معتبر في حقيقة الثواب والعقاب (المقصد الثامن) (في أن الله تعالى يعفو عن الكبائر الاجماع) منعقد (على أنه) تعالى (عفو) وأن عفوه ليس في حق الكافر بل في حق المؤمنين (فقالت
المعتزلة) هو (عفو عن الصغائر قبل التوبة وعن الكبائر بعدها) وقالت المرجئة عفو عن الصغائر والكبائر مطلقا لما
عرفت من مذهبهم وذهب جمهور أصحابنا إلى أنه يعفو عن بعض الكبائر مطلقا ويعذب ببعضها إلا أنه لا علم لنا الآن بشئ من هذين البعضين بعينه وقال كثير منهم لا نقطع بعفوه عن الكبائر بلا توبة بل نجوزه (لنا) على ما اختاره جمهورنا (وجهان الأول إن العفو من لا يعذب على الذنب مع استحقاقه) أي استحقاق
العذاب (ولا يقولون) يعني
المعتزلة (به) أي بذلك الاستحقاق (في غير صورة النزاع) إذ لا استحقاق بالصغائر أصلا ولا بالكبائر بعد التوبة فلم يبق إلا الكبائر قبلها فهو يعفو عنها كما ذهبنا إليه (الثاني الآيات الدالة عليه) أي على العفو عن الكبيرة قبل التوبة (نحو قوله تعالى ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) فإن ما عدا الشرك داخل فيه ولا يمكن التقييد
بالتوبة لأن الكفر مغفور معها فيلزم تساوي ما نفي عنه الغفران وما ثبت له وذلك مما لا يليق بكلام عاقل فضلا عن كلام الله تعالى (و) قوله (إن الله يغفر الذنوب جميعا فإنه عام للكل فلا يخرج عنه إلا ما أجمع عليه (و) قوله تعالى (وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم) والتقرير ما ذكرناه آنفا إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة (المقصد التاسع) في
شفاعة محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أجمع الأمة على) ثبوت (أصل الشفاعة) المقبولة له عليه
الصلاة والسلام (و) لكن (هي عندنا لأهل الكبائر من الأمة في إسقاط العقاب عنهم (لقوله عليه
الصلاة والسلام شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي) فإنه حديث
____________________
الممنوع على هذا لم يتجه الوجه الأول من الجواب فتأمل (قوله ويقولون به في غير صورة النزاع) فيه بحث إذ لعلهم يقولون لا استحقاق بالصغائر الصرفة كما يدل عليه استدلالهم بقوله تعالى إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وأما الصغائر المقرونة بالكبائر ففيها الاستحقاق عندهم أيضا فيجوز أن يعفو الله تعالى عنها ويمكن أن يقال لم يثبت منهم القول باستحقاق العقاب بارتكاب الصغيرة أصلا وإن أوهم به في الجملة استدلالهم عن نفيه بالآية الكريمة ويدل على إنكارهم استحقاق العقاب بها مطلقا إنكارهم الشفاعة لدرء العقاب كما لا يخفى