شرح المواقف - القاضى الجرجانى - ج ٨ - الصفحة ١٨١
الفلاسفة فالقضاء عبارة عن علمه بما ينبغي أن يكون عليه الوجود حتى يكون على أحسن النظام وأكمل الانتظام وهو المسمى عندهم بالعناية التي هي مبدأ لفيضان الموجودات من حيث جملتها على أحسن الوجوه وأكملها والقدر عبارة عن خروجها إلى الوجود العيني بأسبابها على الوجه الذي تقرر في القضاء والمعتزلة ينكرون القضاء والقدر في الأفعال الاختيارية الصادرة عن العباد ويثبتون علمه تعالى بهذه الأفعال ولا يسندون وجودها إلى ذلك العلم بل إلى اختيار العباد وقدرتهم * (المقصد الخامس في الحسن والقبح * القبيح) عندنا (ما نهي عنه شرعا) نهي تحريم أو تنزيه (والحسن بخلافه) أي ما لم ينه عنه شرعا كالواجب والمندوب والمباح فإن المباح عند أكثر أصحابنا من قبيل الحسن وكفعل الله سبحانه وتعالى فإنه حسن أبدا بالاتفاق وأما فعل البهائم فقد قيل إنه لا يوصف بحسن ولا قبح باتفاق الخصوم وفعل الصبي مختلف فيه (ولا حكم للعقل في حسن الأشياء وقبحها وليس ذلك) أي حسن الأشياء وقبحها (عائد إلى أمر حقيقي) حاصل (في الفعل) قبل الشرع
____________________
والنقل خلاف الأصل ولا دليل عليه كما سلف في القضاء فليس القدرة عبارة عن الايجاد المذكور بل هو تحديد كل محدود بحده الذي يوجد به (قوله وأما عند الفلاسفة فالقضاء عبارة الخ) هذا يخالف ما في مشاهير الكتب الحكمية قال الحكيم المحقق في شرح الإشارات اعلم أن القضاء عبارة عن وجود جميع الموجودات في العالم العقلي مجتمعة على سبيل الابداع والقدر عبارة عن وجودها في موادها الخارجية مفصلة واحدا بعد واحد وقال في المحاكمات أما العناية فهو علم الله تعالى بالموجودات على أحسن النظام والترتيب على ما يجب أن يكون لكل موجود من الآلات بحسب ترتب الكمالات المطلوبة منه عليها والفرق بينها وبين القضاء إن في مفهوم العناية تخصيصا وهو تعلق العلم بالوجه الأصلح والنظام الأليق بخلاف القضاء فإنه العلم بوجود الموجودات جملة هذا واعلم أن الجواهر العقلية موجودة في القضاء والقدر مرة واحدة إذ لا وجود لها إلا في الأزل ولكن باعتبارين وأما الصور والأعراض الجسمانية فهي موجودة فيها مرتين مرة في الأزل مجملة ومرة فيما لا يزال مفصلة (قوله والمعتزلة ينكرون القضاء والقدر الخ أما إنكارهم القدرة فظاهر لإسنادهم خلق أفعال العباد إليهم وأما إنكارهم القضاء فيها فأما لأنهم لم يقولوا بإرادة الله تعالى لأفعالهم بالذات بل قالوا إنه تعالى أراد أن يفعلوها بقدرهم ورغباتهم وأما لأنهم أنكروا الإرادة في فعل السيئة والمباح (قوله نهي تحريم أو تنزيه) المنهى عنه نهي تنزيه يكون مكروها كراهة تنزيه وهو إلى الحل أقرب بمعنى أن تاركه يثاب عليه أدنى ثواب ولا يعاقب فاعله والمنهى عنه نهي تحريم حرام عند محمد رحمه الله وأما عندهما فإما حرام أو قريب منه وهو المكروه كراهة التحريم ومعنى قربه منه أن فاعله لا يدخل النار بفعله لكن يستحق محذورا آخر كأن يحرم الشفاعة لرفع الدرجة أو لعدم إدخال النار لكن حرمانا مؤقتا (قوله ما لم ينه عنه شرعا) ينبغي أن يراد بالموصول فعل صادر عن روية
(١٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 ... » »»
الفهرست