أن الأصل ثبت بالشرع وحكم العقل فيه) أي في الأصل (بالمعنى المتنازع فيه ممنوع) بل إنما يحكم فيه بمعنى الملائمة وموافقة الغرض والمصلحة (* وثانيهما أنه تعالى خلق العبد وخلق الشهوة فيه وخلق المنتفع به) من الثمار المطعومة وغيرها (فالحكمة تقتضي أباحته) أي إباحة الانتفاع وإلا كان حقه عبثا (وكيف يدرك تحريمه بالعقل وما هو إلا كمن يغترف غرفة من بحر لا ينزف ليدفع به عطشه المهلك أترى العقل يحكم بمنع إكرام الأكرمين منه وتكليفه التعرض للهلاك كلا * والجواب ربما خلقه ليصبر) عنه ويمنع هواه وشهوته (فيثاب) على ذلك وهذه منفعة جليلة (أو) خلقه (لغرض آخر لا نعلمه * وأما التوقف فيفسر تارة بعدم الحكم ومرجعه الإباحة إذ ما لا
منع فمباح إلا أن يشترط) في الإباحة (الإذن فيرجع إلى كونه) حكما (شرعيا) لا عقليا وكلامنا فيه وإنما يتجه هذا اشترط إذن الشارع لا إذن العقل وربما يقال هذا التفسير جزم بعدم الحكم لا توقف إلا أن يراد توقف العقل عن الحكم (و) يفسر (تارة بعدم العلم) أي هناك حظر أو إباحة لكنا لا نعلمه (وهذا أمثل) من التفسير الأول المشتمل على نوع تكلف في معنى التوقف كما
عرفت لكن عدم العلم (لا لتعارض الأدلة) إذ قد تبين بطلانها (بل لعدم الدليل) على أحد هذين الحكمين بعينه (المقصد السادس) إعلم أن الأمة قد اجتمعت) إجماعا مركبا) على أن الله لا يفعل القبيح ولا يترك الواجب
فالأشاعرة من جهة أنه لا قبيح منه ولا واجب عليه) فلا يتصور منه فعل قبيح ولا ترك واجب (وأما
المعتزلة فمن جهة أن ما هو قبيح منه يتركه وما يجب عليه يفعله وهذا) الخلاف في مبنى الحكم المتفق عليه (فرع المسألة المتقدمة) أعني قاعدة التحسين والتقبيح (إذ لا حاكم بقبح القبيح منه ووجوب الواجب عليه إلا العقل) فمن جعله حاكما
بالحسن والقبح ____________________
أو الإباحة فتأمل (قوله من بحر لا ينزف) أي لا ينقص من نزف السرداب أي ذهب ماؤها (قوله لغرض آخر) هذا على تقدير أن يكون أفعال الله تعالى معللة بالأغراض (قوله أي هناك خطر أو إباحة لكنا لا نعلمه) فيه دفع لما ذكره المحقق التفتازاني في التلويح من أن تفسير التوقف بعدم العلم بأن فيه حكم الله أم لا باطل لأنا نعلم قطعا إن الله تعالى في كل فعل حكما إما بالمنع أو بعدمه (قوله على أن الله لا يفعل القبيح) فإن قيل الكفر والظلم والمعاصي كلها قبائح وقد خلقها الله تعالى قلت نعم إلا أن خلق القبيح أوليس بقبيح فهو موجد للقبيح لا فاعل له فإن قيل فلا يفعل الحسن أيضا لأنه لا حكم عليه أمرا كما لا حكم عليه نهيا والإجماع على خلافه قلنا قد ورد الشرع بالثناء في أفعاله فكانت حسنة لكونها متعلقة للمدح والثناء عند الله تعالى وأما إذا اكتفى في الحسن بعدم استحقاق الذم