حال نفسه علم أن إرادته للشئ لا تتوقف على إرادته تلك الإرادة) بل تحصل له تلك الإرادة سواء أرادها أو لم يردها (و) علم أيضا (أنه مع الإرادة الجازمة) الجامعة للشرائط وارتفاع الموانع (يحصل المراد وبدونها لا يحصل ويلزم منها) أي من المقدمات التي علمها بوجدانه (أنه لا إرادة منه ولا حصول الفعل عقيبها منها فكيف يدعي الضرورة في خلافه قال الإمام في نهاية العقول والعجب من أبي الحسين أنه خالف أصحابه في قولهم القادر على الضدين لا
يتوقف فعله لأحدهما دون الآخر على مرجح وزعم أن العلم بتوقف ذلك) أي فعله لأحدهما دون الآخر (على الداعي) إلى أحدهما (ضروري وزعم أن حصول الفعل عقيب الداعي وأجيب ولزمه للاعتراف بهاتين المقدمتين عدم كون العبد موجدا لفعله) كما هو مذهبنا (ثم بالغ في كون العبد موجدا وزاد على كل من تقدمه حتى ادعى العلم الضروري بذلك قال) الإمام (وعندي أن أبا الحسين ما كان ممن لا يعلم أن القول بتينك المقدمتين يبطل مذهب الاعتزال) يعني في مسألة خلق الأعمال وما يبتنى عليها (لكنه لما أبطل الأصول التي عليها مدار الاعتزال
خاف من تنبه أصحابه لرجوعه عن مذهبهم فليس الأمر عليهم) بمبالغته في ادعاء العلم الضروري بذلك (وإلا فهذه التناقض أظهر من أن يخفى على المبتدي فضلا عمن بلغ درجة أبي الحسين في التحقيق والتدقيق) فظهر أنه في هذه المسألة جرى على مذهبنا (لا يقال الاعتراف بتوقف صدور الفعل عن القادر على الداعي ووجوب حصوله عند حصوله لا ينافي القول بأن القدرة الحادثة مؤثرة في وجود الفعل وإنما ينافي استقلاله بالفاعلية) على سبيل التفويض إليه بالكلية (وهو إنما ادعي العلم الضروري في الأول) أي التأثير إلا في الثاني) أي الاستقلال حتى يتجه ما وردتموه عليه (لأنا نقول غرضنا) في هذا المقام (سلب الاستقلال) الذي يدعيه أهل الاعتزال (كما هو مذهب الأستاذ وإمام الحرمين فإن كان أبو الحسين ساعدنا عليه فمرحبا بالوفاق ولكن يلزم
بطلان مذهب الاعتزال بالكلية إذ لا فرق في العقل بين أن يأمر الله) عبده (بما يفعله) هو بنفسه (و) بين أن يأمره (بما يجب
____________________
لوجوده لزم الانتهاء إلى الاضطرار (قوله أنه لا إرادة منه) فيه بحث إذ لا يلزم من عدم توقف إرادته على إرادة أخرى أن لا يكون الإرادة منه لجواز أن يكون منه لا بالاختيار ولك أن تقول سيصرح أن الغرض في هذا المقام سلب الاستقلال وإذا يحصل على تقدير صدور إرادته منه بالإيجاب واستلزامها الفعل فمعنى قوله لا الإرادة منه أنها ليست منه بالإرادة فحينئذ يندفع البحث (قوله كما هو مذهب الأستاذ وإمام الحرمين) عدم الاستقلال عند الأستاذ ظاهر وأما عند إمام الحرمين فلأن قدرة العبد لما كان موجبة للفعل عنده لم يكن هو مستقلا في فعله بمعنى التمكن من