شرح المواقف - القاضى الجرجانى - ج ٨ - الصفحة ٤٩
إن كان بقدرة واختيار لزم محذور إن التسلسل في صفاته وحدوثها وإن كان بإيجاب لزم كونه تعالى موجبا بالذات فلا يكون الايجاب نقصانا فجاز أن يتصف به بالقياس إلى بعض مصنوعاته ودعوى أن إيجاب الصفات كمال وإيجاب غيرها نقصان مشكلة (المقصد الثاني) في قدرته وفيه بحثان * الأول في أنه تعالى قادر) أي يصح منه إيجاد العالم وتركه فليس شئ منهما لازما لذاته بحيث يستحيل انفكاكه عنه وإلى هذا ذهب المليون كلهم وأما الفلاسفة فإنهم قالوا إيجاده للعالم على النظام الواقع من لوازم ذاته فيمتنع خلوه عنه فأنكروا القدرة بالمعني المذكور لاعتقادهم أنه نقصان وأثبتوا له الايجاب زعما منهم أنه الكمال التام وأما كونه تعالى قادرا بمعنى إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل فهو متفق عليه بين الفريقين إلا أن الحكماء
____________________
وصفاته تعالى ليست بحادثة فلا يكون لها فاعل وأنت خبير بأن هذا مشكل جدا فإن مآله إلى تعدد الواجب إذ كل موجد لا يخلو من أن يكون وجوده عن ذاته أو عن غيره فإذا انتفى الثاني تعين الأول فيلزم الوجوب ولهذا قال المحقق التفتازاني في شرح المقاصد استناد الصفات عند من يثبتها أوليس إلا بطريق الايجاب وكذا قولهم علة الاحتياج هو الحدوث دون الإمكان ينبغي أن يخص بغير الصفات نعم يرد على هذا أنه من قبيل التخصيص في القواعد العقلية كما لا يخفى (قوله ودعوى أن إيجاب الصفات كمال الخ) يمكن أن يقال إيجاب الصفات كمال لأجل أن الخلو عنها نقص بخلاف إيجاب غيرها ودعوى أن إفاضة الوجود على الممكنات وجود كمال فلو لم يلزم ذاته تعالى لجاز انفكاك الكمال عنه وهو نقصان في حيز المنع بل كمال السلطنة يقتضي أن يكون الواجب تعالى قبل كل شئ من المباينات وبعده كما لا يخفى على العاقل المنصف على أن نفي الايجاب بالنسبة إلى المصنوعات بناء على لزوم قدم ذات ما ممكنة كما علم ممن قواعد الفلاسفة وقد تقدم حدوث ما سوى الله تعالى وصفاته واجتمع أهل الإسلام على كفر القائلين بتعدد الذوات القديمة فتأمل والله الهادي (قوله في قدرته تعالى) اعلم أن القدرة صفة تؤثر في المقدور ولها به تعلقان تعلق معنوي لا يترتب عليه وجود المقدور بل يمكن القادر من إيجاده وتركه ولا شك أن هذا التعلق عام لكل ممكن لازم للقدرة قديم بقدمها ونسبته إلى الضدين على السواء وتعلق آخر يترتب عليه ذلك وهذا التعلق حادث كما صرح به الشارح في مباحث القدرة وكلام المقاصد يشعر بجواز قدمه على معنى أن القدرة تعلقت في الأزل بوجود المقدور فيما لا يزال وكلام المصنف والشارح أيضا فيما سيأتي يشعر به فإن قلت القول بقدم التعلق التأثيري يفضي إلى القول بتوقف صدور خصوصيات الحوادث على شروط أو استعدادات تحصل في المواد وإلا لم يتخلف عن ذلك التعلق فلا يلائم أصول المتكلمين قلت إنما لا يلائمها إذا لم يكف في وقوع المقدور تعلق القدرة في وقت معين فيما لا يزال وحصول ذلك الوقت والله أعلم (قوله إلا أن الحكماء ذهبوا) قد سبق منا أن الأستاذ المحقق قال هذا المنقول عنهم كلام لا تحقق له لأن الواقع بالإرادة والاختيار ما يصح وجوده وعدمه بالنظر إلى ذات الفاعل فعلى ما ذكروه من لزوم مشية الفعل واستحالة عدمها أوليس هناك حقيقة الإرادة والاختيار بل مجرد اللفظ وأيضا
(٤٩)
مفاتيح البحث: الإختيار، الخيار (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الموقف الخامس في الإلهيات 2
2 المرصد الأول في الذات وفيه مقاصد 2
3 المقصد الأول 2
4 المقصد الثاني 14
5 المقصد الثالث 18
6 المرصد الثاني وفيه مقاصد 19
7 المقصد الأول 19
8 المقصد الثاني 25
9 المقصد الثالث 26
10 المقصد الرابع 27
11 المقصد الخامس 28
12 المقصد السادس 31
13 المرصد الثالث في توحيده تعالي 39
14 المرصد في الرابع في الصفات الوجودية 44
15 المقصد الأولى في اثبات الصفات 44
16 المقصد الثاني في قدرته 49
17 المقصد الثالث 64
18 المقصد الرابع 80
19 المقصد الخامس 81
20 المقصد السادس 87
21 المقصد السابع 91
22 المقصد الثامن 104
23 المرصد الخامس وفيه مقصدان 115
24 المقصد الأول 115
25 المقصد الثاني 143
26 المرصد السادس في أفعاله تعالى 145
27 المقصد الأول 145
28 المقصد الثاني 159
29 المقصد الثالث 168
30 المقصد الرابع 173
31 المقصد الخامس 181
32 المقصد السادس 195
33 المقصد السابع 200
34 المقصد الثامن 202
35 المرصد السابع في أسماء الله تعالي 207
36 المقصد الأول 207
37 المقصد الثاني 209
38 المقصد الثالث 210
39 الموقف السادس في السمعيات 217
40 المرصد الأول في النبوات 217
41 المقصد الأول 217
42 المقصد الثاني 222
43 المقصد الثالث 230
44 المقصد الرابع 243
45 الكلام علي القرآن 243
46 المقصد الخامس 263
47 المقصد السادس 280
48 المقصد السابع 281
49 المقصد الثامن 283
50 المقصد التاسع 288
51 المرصد الثاني في المعاد وفيه مقاصد 289
52 المقصد الأول 289
53 المقصد الثاني في حشر الأجسام 294
54 المقصد الثالث 298
55 المقصد الرابع 301
56 المقصد الخامس 303
57 المقصد السادس 306
58 المقصد السابع 309
59 المقصد الثامن 312
60 المقصد التاسع 312
61 المقصد العاشر 314
62 المقصد الحادي عشر 317
63 المقصد الثاني عشر 320
64 المرصد الثاني في الأسماء وفيه مقاصد 322
65 المقصد الأول 322
66 المقصد الثاني 330
67 المقصد الثالث 331
68 المرصد الرابع في الإمامة 344