معيشته بل لا بد له من أن يكون معه آخرون من بني نوعه حتى يخبز هذا لذلك ويطحن ذاك لهذا ويزرع لهما ثالث وهكذا فإذا اجتمعوا على هذا الوجه صار أمرهم مكفيا ولذلك قيل الإنسان مدني بالطبع فإن التمدن هو هذا الاجتماع ولا بد لهم في التعاون من معاملة ومعاوضة يجريان بينهم ولا بد فيهما من قانون عدل يحافظ عليه دفعا للظلم وإليه أشار بقوله (ولولا شريعة ينقاد لها الخاص والعام لا شر أبت كل نفس) أي مدت عنقها (إلى ما يريده غيره وطمح) أي ارتفع (عين كل إلى ما عند الآخر فحصل) بينهم (التنازع وأدى) ذلك التنازع (إلى التواثب والتشاجر) أي الاختلاف (والتقاتل والتناحر وشمل) الناس (الهرج) أي
القتل (والمرج) أي الاختلاط (واختل أمور المعاش والمعاد فوجب في الطبيعة) وجود الموصوف بتلك الخواص) لما علم من شمول العناية فيما أعطى كل حيوان من الآلات) اللائقة به (وهدى) أي كل واحد منه (إلى ما فيه بقاؤه وبه قوامه نوع الإنسان) فإن العناية به في الاعطاء والهداية أكثر (وهو أشرف الأنواع) الحيوانية (سخر له ما عداه من تلك الأنواع (وهذا) أي وجود من اجتمعت فيه الخواص المذكورة (من أعظم مصالحه) لما ظهر فيه من جلب المنافع الجليلة والدفع للمضار الشديدة (أفترى الطبيعة تهمل ذلك كلا) والحاصل إن وجود النبي سبب للنظام في المعاش والمعاد فيجب ذلك في العناية الإلهية المقتضية لأبلغ وجوه الانتظام في مخلوقاته فهذه طريقة أثبات النبوة على مذهب الحكماء (المقصد الثاني) في حقيقته المعجزة وهي) بحسب الاصطلاح (عندنا) عبارة عن (ما قصد به إظهار
____________________
(قوله أفترى الطبيعة) الطبيعة عندهم وجود النظام الكامل صرح به في شرح المقاصد والظاهر إن إسناد عدم الاهمال إلى الطبيعة مجاز عقلي على نحو ما صام نهاري وإن أريد بالطبيعة سببها أعني العناية فتأمل (قوله في حقيقة المعجزة) لا خفاء إن حقيقة الاعجاز إثبات العجز استعير لإظهاره ثم أسند مجازا إلى ما هو سبب العجز وجعل اسما له فالتاء للنقل من الوصفية إلى الاسمية كما في الحقيقة وقيل للمبالغة كما في العلامة وذكر إمام الحرمين إن ههنا تجوز آخر بناء على الأصح من رأي الأشعري وهو أن العجز ضد القدرة وإنما يتعلق بالموجود حتى إن عجز الزمن عن القعود لا عن القيام ووجه التجوز على هذا إن المراد بالعجز عدم القدرة إذا لو حمل العجز على المعارضة على المعنى الوجودي لوجدت المعارضة الاضطرارية وقد سبق تحقيق هذا في مباحث القدرة فليتذكر (قوله عبارة عما قصد به الخ) اعترض على هذا التعريف بأنه صادق على الذي يظهر في يد الساحر المدعي للنبوة وأجيب بأن المراد القصد من عند الله سبحانه وتعالى والأظهر في الجواب أن يقال المتبادر من التعريف قصد