إن الإنسان هو العالم الصغير وهذا العالم هو العالم الكبير والبحث عن كل واحد منهما أما عن تخريبه أو تعميره بعد تخريبه فهذه مطالب أربعة الأول كيفية تخريب العالم الصغير وهو بالموت والثاني إنه تعالى كيف يعمره بعد ما خربه وهو إنه يعيده كما كان حيا عاقلا ويوصل إليه الثواب والعقاب والثالث إنه كيف يخرب هذا العالم الكبير أيخربه بتفريق الأجزاء أو بالإعدام والفناء والرابع إنه كيف يعمره بعد تخريبه وهذا هو القول في شرح أحوال القيامة (وبيان أحوال الجنة والنار فهذا ضبط مباحث هذا الباب والله علم بالصواب (المقصد الرابع) الجنة والنار هل هما مخلوقتان) الآن أولا (ذهب أصحابنا وأبو علي الجبائي) وبشر بن المعتمر (وأبو الحسين البصري إلى أنهما مخلوقتان وأنكره أكثر
المعتزلة) كعباد الضيمري
وضرار بن عمرو وأبي هاشم وعبد الجبار (وقالوا إنهما يخلقان يوم الجزاء * لنا وجهان * الأول قصة آدم وحواء وإسكانهما الجنة وإخراجهما عنها بالزلة على ما نطق به الكتاب وإذا كانت الجنة مخلوقة فكذا النار إذ لا قائل بالفصل * الثاني قوله تعالى في صفتهما أعدت للمتقين أعدت للكافرين بلفظ الماضي وهو صريح في وجودهما) ومن تتبع الأحاديث الصحيحة وجد فيها شيئا كثيرا مما يدل على وجودهما دلالة ظاهرة (وأما المنكرون فتمسك عباد) في استحالة كونهما مخلوقتين في وقتنا هذا (بدليل العقل وأبو هاشم بدليل السمع) إذ أوليس عنده للعقل دلالة على ذلك (قال عباد لو وجدنا فأما في عالم الأفلاك أو العناصر أو في عالم آخر و) الأقسام (الثلاثة باطلة * أما الأول فلأن الأفلاك لا تقبل
الخرق والالتئام فلا يخالطها شئ من الكائنات الفاسدات) وهما على
____________________
استعدادا (قوله الأول قصة آدم عليه السلام وحواء وإسكانهما الجنة) وحمل الجنة فيها على بستان من بستانين الدنيا كان في موضع مرتفع تجري مجرى التلاعب بالدين ومراغمة لإجماع المسلمين على أن اللام في الجنة المذكورة في القصة للعهد ولا معهود غير دار الثواب ثم لا قائل بخلق الجنة دون النار فثبوتها بثبوتها (قوله بلفظ الماضي) ولا ضرورة في العدول عن الظاهر بأن يحمل على التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي مبالغة في تحقق وقوعه مثل ونفخ في الصور ونظائره والحق إن هذا الدليل لا يفيد ظنا قويا فضلا عن اليقين إذ قد سبق إن الله تعالى لم يكن زمانيا لا بحسب ذاته ولا بحسب صفاته كان نسبة كلامه الأزلي إلى جميع الأزمنة على السوية إلا أن حكمته تعالى اقتضت التعبير عن بعض الأزمنة بصيغة الماضي وعن بعضها بصيغة المستقبل (قوله فلأن الأفلاك لا تقبل الخرق) أجاب عنه في شرح المقاصد بأن إفناء هذا العالم بالكلية وإيجاد عالم آخر فيه الجنة والنار لا يستلزم الخرق ولا غيره من المحالات وأنت خبير بأن ما لا يقبل الخرق وهو فساد من بعض الوجوه لا يقبل الفساد أصلا وإن اختلف جهة الحكمين فليتأمل (قوله فلا تخالطهما شئ من الكائنات) الظاهر إن معنى المخالطة المنفية الدخول والوصول إليه لا إلى ما ذكره الشارح إذ لا ينفى أن يكون في ثخن فلك