عند فعله ويمتنع عند عدمه فإن المأمور على كلا التقديرين غير متمكن من الفعل) والترك وأيضا لا فرق بين أن يعذب الله العبد على ما أوجده فيه وبين أن يعذبه على فعل يجب حصوله عندما وجده فيه لأنه لا فرق في العقول بين فاعل القبيح والظلم وبين فاعل ما يوجب القبيح والظلم فمن اعترف بوجوب حصول الفعل عند حصوله الإرادة الجازمة انسد عليه باب القول بالاعتزال فظهر أن أبا الحسين أنكر الاعتزال في هذه المسألة وأن تلك المبالغة منه تمويه وتلبيس انتهى كلامه (وأما غيره) أي غير أبي الحسين (فيستدل عليه) أي على أن العبد موجد لأفعاله (بوجوه كثيرة مرجعها إلى أمر واحد وهو أنه لولا استقلال العبد بالفعل) على سبيل الاختيار (لبطل التكليف) بالأوامر والنواهي لأن العبد إذا لم يكن موجدا لفعله مستقلا في إيجاده لم يصح عقلا أن يقال له افعل كذا ولا تفعل كذا (و)
بطل (التأديب) الذي ورد به الشرع إذ لا معنى لتأديب من لا يستقتل بإيجاد فعله (وارتفع المدح والذم) إذ أوليس الفعل مستند إليه مطلقا حتى يمدح به أو يذم (و) ارتفع (الثواب والعقاب) الوارد بهما الوعد والوعيد (ولم يبق للبعثة فائدة) لأن العباد ليسوا موجودين لأفعالهم فمن أين لهم استحقاق الثواب والعقاب عليها بل هي مخلوقة لله تعالى فيجوز حينئذ أن يعكس فيعاقب الأنبياء وأتباعهم ويثبت الفراعنة وأشياعهم فلا يتصور منفعة للبعثة أصلا (والجواب) منع الملازمات المذكورة وهو (المدح والذم باعتبار المحلية لا باعتبار الفاعلية) حتى يشترط فيهما الاستقلال بالفعل وذلك (كما يمدح الشئ ويذم بحسنه وقبحه وسلامته) من الآفة (وعاهته) فإن ذلك باعتبار أنه محل لها لا مؤثر فيها (وأما الثواب والعقاب) المترتبان على الأفعال الاختيارية (فكسائر العاديات) المترتبة على أسبابها بطريق العادة من غير لزوم
____________________
فعله وتركه وفي ذكر إمام الحرمين بحث يظهر مما مر في أول المقصد فليتأمل (قوله فمرحبا بالوفاق) أي في نفي الاستقلال ولا مرحبا بإسناد الايجاد إلى غير الله تعالى (قوله عند حصول الإرادة الجازمة) أي مع اعترافه بأنها من غيره وكذا الداعي الذي يتوقف عليه الفعل كما هو المذهب عندهم فإن الداعي عبارة عن العلم بالمصلحة ولا قائل بأن العلم مخلوق للعبد (قوله فكسائر العاديات) قيل هذا يؤدي إلى القول بوجوب ثواب المطيع وعقاب العاصي كما ذهبت إليه المعتزلة لإيجاب العادة وذلك لأن قسمة العادة إلى الموجب وغيره لم تعهد عن أحد ولا جهة له أيضا والجواب أما أولا فجواز إرادة التنظير من قوله فكسائر العاديات أي جميعها والتنظير في مجرد عدم اللزوم العقلي واتجاه السؤال لا أنهما من قبيل العاديات وأما ثانيا فهو أن مراد المعتزلة من الوجوب عليه تعالى لزوم القبح العقلي في نفس تركهما وهو الذي نحن نمنعه وأما وجوب ثواب المطيع بمقتضى الوعد فلا ننكره كيف وقد قال عز من قائل ما يبدل القول لدي فإن قلت دوام الترتب أو أكثريته شرط في العاديات كما مر فكيف يكون عقاب العاصي