ذلك المرجح (واجبا) أي واجب الصدور عنه بحيث يمتنع تخلفه عنه (وإلا لم يكن الموجود) أي ذلك المرجح المفروض (تمام المرجح) لأنه إذا لم يجب منه الفعل حينئذ جاز أن يوجد معه الفعل تارة ويعدم أخرى مع وجود ذلك المرجح فيهما فتخصيص أحد الوقتين بوجوده يحتاج إلى مرجح لما
عرفت فلا يكون ما فرضناه مرجحا مرجحا تاما هذا خلف وإذا كان الفعل مع المرجح الذي أوليس منه واجب الصدور عنه (فيكون) ذلك الفعل (اضطراريا) لازما لا اختياريا بطريق الاستقلال كما زعموه (وأورد عليه إن هذا ينفي كون الله تعالى) قادرا (مختارا الإمكان إقامة الدلالة بعينها فيه) ويقال لو كان موجدا لفعله بالقدرة استقلالا فلا بد أن يتمكن من فعله وتركه وأن
يتوقف فعله على مرجح إلى آخر ما مر تقريره فالدليل منقوض بالواجب تعالى (وأجيب) عن ذلك (بالفرق بأن إرادة العبد محدثة) أي الفعل
يتوقف على مرجح هي الإرادة الجازمة لكن إرادة العبد محدثة (فافتقرت) أن تنتهي (إلى إرادة يخلقها الله فيه) بلا إرادة
واختيار منه (دفعا للتسلسل) في الإرادة التي تفرض صدورها عنه (وإرادة الله تعالى قديمة فلا تفتقر إلى إرادة أخرى ورد) في اللباب (هذا الجواب) الذي ذكر في الأربعين (بأنه لا يدفع التقسيم المذكور) إذ يقال إن لم يمكن الترك مع الإرادة القديمة كان موجبا لا قادرا مختارا وإن أمكن فإن لم
يتوقف فعله على مرجح كان اتفاقيا واقعا بلا سبب واستغني أيضا الجائز عن المرجح وإن توقف عليه كان الفعل معه واجبا فيكون اضطراريا (والفرق) الذي ذكرتموه (في المداول
____________________
من العبد لا بالاختيار ينفي أيضا الاختيارية فلا حاجة إلى نفيه فتأمل (قوله لا اختياريا بطريق الاستقلال) كما زعموه فيه دلالة على أن هذا الوجه إنما يفيد إلزام المعتزلة القائلين باستقلال العبد في أفعاله واستنادها إلى قدرته واختياره من غير جبر ولا يفيد أن العبد أوليس بموجد لأفعاله (قوله وأورد عليه إن هذا ينفي الخ) فيه بحث لما سيصرح به من أن هذا الاستدلال إلزام للمعتزلة القائلين بوجوب الداعي في الفعل الاختياري فهو المراد بالمرجح في الدليل ونحن لا نقول به فكيف يتوجه الايراد علينا بإمكان إقامة الدلالة بعينها في قدرة الله تعالى ويمكن أن يتعسف في الجواب بأن حاصل الايراد من طرف المعتزلة إنكم تدعون أنا أخطأنا في دعوى استقلال العبد في أفعاله الاختيارية للدليل المذكور الدال على اضطرارية أفعاله وهذا الدليل يجري في أفعال الله تعالى مع أنكم معترفون بأننا مصيبون في دعوى استقلاله تعالى في أفعاله وكونها اختيارية والأقرب في الجواب أن يقال التغيير اليسير لبعض مقدمات الدليل لا يقدح في نقضه كما سلف فكأنه قال لو لزم اضطرارية الفعل على تقدير توقف ترجيحه على الداعي لزمت على تقدير كفاية نفس الاختيار فيه لإمكان إقامة الدلالة بعينها حينئذ أيضا فيلزم أن لا يكون الله تعالى قادرا مختارا نعم قوله في الجواب يتوقف على مرجح هي الإرادة الجازمة فيه أنه لا يلائم السياق إذ قد