يشرح صدورهم للإسلام) فلم يهتدوا إلى حقيقته (ولم ينقل عن أحد قبل المخالفين هذا الفرق) الذي ذكره الجاحظ والعنبري * المبحث (الثالث غير الكفار من العصاة ومرتكبي الكبائر لا يخلد في النار لقوله تعالى من يعمل مثقال ذرة خيرا يره) ولا شك أن مرتكب الكبيرة قد عمل خيرا هو إيمانه (فأما أن يكون ذلك) أي رؤيته للخير (قبل دخول النار) ثم يدخل النار (وهو باطل بالإجماع أو بعد خروجه عنها وفيه المطلوب) وهو خروجه عن النار وعدم خلوده فيها (المقصد السابع) في الاحباط بنى
المعتزلة على استحقاق العقاب ومنافاته للثواب) واستحقاقه (إحباط الطاعات بالمعاصي ثم اختلفوا فقال جمهور
المعتزلة) والخوارج أيضا (بمعصية) أي بكبيرة (واحدة تحبط جميع الطاعات حتى أن من عبد الله طول عمره ثم شرب جرعه خمر فهو كمن لم يعبده أبدا ولا يخفى فساده) لأنه إلغاء للطاعات بالكلية ومناف للعمومات الدالة على ثواب الإيمان والعمل الصالح قال الآمدي إذا اجتمع في المؤمن طاعات وزلات فإجماع أهل الحق من
الأشاعرة وغيرهم أنه لا يجب على الله ثوابه ولا عقابه فإن أثابه فبفضله وإن عاقبه فبعدله بل له إثابة العاصي وعقاب المطيع أيضا وذهبت المرجئة إلى أن الإيمان يحبط الزلات فلا عقاب على زلة مع الإيمان كما لا ثواب لطاعة مع الكفر وقالت
المعتزلة إن كبيرة واحدة تحبط ثواب جميع الطاعات وإن زادت على زلته وذهب الجبائي وابنه إلى رعاية الكثرة في المحبط وزعما أن من زادت طاعاته على زلاته أحبطت عقاب زلاته وكفرتها ومن زادت زلاته على طاعاته أحبطت
____________________
وهو باطل عندنا بل الكل بمحض خلق الله تعالى (قوله فأما أن يكون ذلك قبل دخول النار الخ) قيل لم لا يجوز أن يرى في النار تخفيف العذاب وتفاوت الدرجات فالأولى التمسك بالإجماع قبل ظهور المخالف ويمكن أن يدفع بأن جزاء الإيمان هو الثواب بالإجماع ودار الثواب هي الجنة (قوله في الاحباط) لا نزاع في إحباط الطاعات بالكفر وأما بغيره فأثبته المعتزلة ونفاه أهل السنة احتجت المعتزلة بقوله تعالى ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وبقوله تعالى فأولئك حبطت أعمالهم وقوله تعالى لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى أجاب في شرح المقاصد بأن من عمل عملا يستحق به الذم مع إمكان عمله على وجه يستحق به المدح والثواب يقال إنه أحبط عمله كالصدقة من المن والأذى بدونهما وفيه نظر لأن الجواب إنما يتم إذا حمل آية الصدقة على مقارنة المن والأذى إذ لو تأخرا عنها وأبطلاها يثبت مدعاهم وذلك الحمل مخالف لظاهر النص ولا داعي لارتكابه على أن قوله تعالى إن الحسنات يذهبن السيئات يدل على إبطال السيئة بالحسنة فالظاهر جواز عكسه أيضا (قوله إلى رعاية الكثرة) لا بالنظر إلى أعداد الطاعات والمعاصي بل بالنظر إلى مقادير الأجور والأوزار فرب كبيرة يغلب وزرها أجر طاعات كثيرة ولا سبيل إلى ضبط ذلك بل هو مفوض إلى علم الله