صفات الأفعال (اعتبارات تعرض للفعل بالنسبة إلينا وصدوره بحسب قصدنا ودواعينا (وأما فعله تعالى فمنزه عن هذه الاعتبارات) فجاز أن يصدر عنه تعالى مثل فعل العبد مجردا عنها فإن الاختلاف بالعوارض لا ينافي التماثل في الماهية ولما كان لقائل أن يقول ما صدر عنه من أمثال أفعالنا إما أن يشتمل على مصلحة أو مفسدة أو يخلو عنهما وعلى التقادير يكون متصفا بشئ من الاعتبارات المذكورة أجاب عنه بقوله (وهو) أي ذلك المثل الصادر عنه (خال عن الغرض كسائر أفعاله) المنزهة عن الأغراض فلا يتجه أن يقال هناك مصلحة أو مفسدة (ولا يلزم) من عدم ثبوت الغرض (العبث) إنما يلزم ذلك إذا كان الفعل ممن شأنه أن يتبع فعله الغرض لا ممن تعالى عن ذلك * الفرقة (السادسة الجبائية قالوا لا يقدر على عين فعل العبد بدليل التمانع وهو أنه لو أراد الله تعالى فعلا) من أفعال العبد يوجد فيه (وأراد العبد عدمه) منه لزم (إما وقوعهما فيجتمع النقيضان أو لا وقوعهما فيرتفع النقيضان أو وقوع أحدهما فلا قدرة للآخر) على مراده والمقدر خلافه (لا يقال يقع مقدور الله لأن قدرته أعم) من قدر العبد فلا يتصور بينهما مقاومة كما يتصور في قدرتي إلهين (لأنا نقول معنى كون قدرته أعم تعلقها بغير هذا المقدور ولا أثر له في هذا المقدور فهما في هذا المقدور سواء) فيتقاومان فيه (والجواب أنه مبني على تأثير القدرة الحادثة وقد بينا بطلانه فراجع ما تقدم) وعلى تقدير تأثيرها فتساويهما في هذا المقدور ممنوع بل الله تعالى أقدر عليه من العبد فتأثير قدرته فيه
يمنع من تأثير قدرة العبد فيه ولا يلزم من ذلك انتفاء قدرته بالكلية نعم يثبت فيه نوع عجز وذلك ينافي الألوهية دون العبدية (المقصد الثالث) في علمه تعالى وفيه بحثان * البحث الأول في إثباته وهو متفق عليه بيننا وبين الحكماء
____________________
السفه وإن جاز أن يجعل شاملا للعبث فلا خفاء في شموله المعصية أيضا ووجه الدفع ظاهر من تفسير الشارح (قوله أو يخلو عنهما) الظاهر أنه أدرج فيه المشتمل على المتساويين منهما بناء على أنه أراد بالمصلحة والمفسدة المحضة منهما أو الغالبة فالخلو عنهما يشمل صورتين كما لا يخفى لكن أفرده بالذكر فيما سبق لزيادة التوضيح (قوله فلا يتجه أن يقال هناك مصلحة) ويمكن أن يجاب أيضا بأنه مشتمل على مصلحة ولا نسلم أن كل مشتمل على المصلحة طاعة بل هي امتثال وتعظيم ولا يتصف به فعل الرب (قوله بل الله تعالى أقدر عليه من العبد) هذا الكلام إنما يتمشى إذ ثبت أن القدرة مقولة على ما تحتها بالتشكيك وأما إذا كانت متواطئة فلا (قوله البحث الأول في إثباته) قد استدل على ثبوت العلم له تعالى بالنسبة إلى الكليات والجزئيات بأن عدم العلم عما من شأن ذلك جهل