(تصديق بما علم من نفسه خلافه ضرورة) أي إذا كان مصدقا كان عالما بتصديقه علما ضروريا وجدانيا فلا يمكنه حينئذ التصديق بعدم التصديق لأنه يجد في باطنه خلافه وهو التصديق بل يكون علمه بتصديقه موجبا لتكذيبه في الأخبار بأنه لا يصدق (وأنه) أي إيمانه المشتمل على ما ذكر (محال) لاستلزامه الجمع بل التصديق والتكذيب في حالة واحدة وإذا كان المكلف به محالا لم يكن للتكليف بإتيانه فائدة وأعترض عليه بأن الإيمان واجب بما علم مجيئه به لا بما جاء به مطلقا سواء علمه المكلف أو لم يعلمه ولا نسلم أن هذا الخبر مما علم أبو لهب مجيئه به حتى يلزم تصديقه فيه وتلخيصه أن الإيمان هو التصديق الإجمالي أي كل ما جاء به فهو حق وليس في هذا التصديق الإجمالي من أبي لهب استحالة وأما التصديق التفصيلي منه فهو مشروط بعلمه بوجود هذا الخبر ومستلزم للجمع بين النقيضين فهو المحال دون الأول فليتأمل * (الخامس التكليف واقع بمعرفة الله) تعالى إجماعا (فإن كان ذلك) التكليف (في حال حصول المعرفة تكليف بتحصيل الحاصل وإنه) أي تحصيل الحاصل (محال) فيكون التكليف به ضائعا لا طائل تحته (وإن كان في حال عدمها فغير العارف بالمكلف وصفاته المحتاج إليها في صحة التكليف منه) وصدوره عنه كالعدم والقدرة والإرادة وغيرها (غافل عن التكليف وتكليف الغافل تكليف بالمحال) وعار عن الفائدة ورد عليه بما مر من أن الغافل من لا يتصور لا من لا يصدق وبأن التكليف إنما هو للعارف به وبصفاته المذكورة ليعرفه من جهات أخرى كالوحدانية وغيرها من الصفات
____________________
حادث ويبدل اعتقاده إليه ولا استحالة فيه مع أنه تصديق بما وجد من نفسه خلافه بل الاستحالة فيما نحن فيه إنما نشأ من خصوصية المقام حيث لزم فيه الجمع بين التصديق وعدمه وهو محال بالضرورة وذلك لأن الإيمان بأنه لا يؤمن يتوقف على ثبوت عدم الإيمان فيه لأن الإيمان وعدمه من أفعال القلب والتصديق بفعل القلب يتوقف على ثبوته في القلب فيلزم من وقوعه المكلف به الجمع بين الإيمان وعدمه (قوله ولا نسلم أن هذا الخبر مما علم أبو لهب مجيئه) قيل لا شك أن سماع هذا الخبر ممكن له وأنه مكلف بالتصديق التفصيلي على تقدير سماعه فيلزم منه جواز التكليف بالجمع بين النقيضين وإن لم يقع وهو المطلوب ههنا ولعل هذا هو وجه التأمل ولك أن تقول لا نسلم أنه مكلف بالتصديق التفصيلي على تقدير العلم بهذا الخبر ويؤيده ما قال ابن الحاجب من أن المكلف إذا علم أن المكلف به لا يقع لا يجوز تكليفه به فإن قلت إذا لم يكلف لزم أن لا يعاقب والقول بأن التكليف أولا كاف لا جهة له لأن الساقط لا يعود قلت المعلوم يقينا هو أنه معاقب بالفعل لعدم إتيانه بالتصديق الإجمالي الذي أمر به وأما إنه كان يعاقب على ذلك التقدير أيضا فيحتاج إلى البيان فليتأمل (قوله وبأن التكليف إنما هو الخ) فيه بحث لأن الظاهر أن المراد من المعرفة معرفة وجوده تعالى ولا شك أن الدهري النافي للصانع مكلف بأن ينظر فيعرف وجوده