قلت: الكلام في ثبوت الولاية مستقلا لهما تارة بمعنى نفوذ تصرفه ووجوب طاعته، لو تصرف في شئ أو أمر به، وأخرى بمعنى أن له أنحاء التصرف في نفوس الرعية وأموالهم، حسبما تتعلق به إرادته، كما ينفذ تصرف الانسان بحسب إرادته في نفسه وماله في غير معصية موجبة لعدم نفوذه، فله أن يزوج البالغة الرشيدة بغير إذنها، أو يبيع مال انسان بغير إذنه كما كان ذلك لكل منهما في نفسه أو ماله، فنفوذ التصرف ووجوب الإطاعة مقام، وله أن يتصرف أو أن يأمر مقام آخر.
لا إشكال في ثبوتها لهما بالمعنى الأول، فإن الأدلة المتقدمة كل منها واف في الدلالة عليه كاف في اثباتها له، بعد إن كانت إطاعتهم إطاعة الله تعالى:
وأما الجزم بثبوتها بالمعنى الثاني، ففيه تأمل، لعدم نهوض تلك الأدلة عليه، بعد إن كان غير آية " النبي أولى بالمؤمنين " وما بمعناها من السنة كلها واردة في مقام وجوب الإطاعة وحرمة المخالفة الراجعين إلى المعنى الأول، دون الثاني وأما هي، فلا دلالة فيها على المطلوب أيضا "، بناء على تفسيرها بأنه: أولى بالمؤمنين من أنفسهم، بعضهم من بعض. نعم بناء على تفسيرها كما هو الظاهر منها بإرادة أنه أولى بكل مؤمن من نفسه على نفسه، ربما يكون وافيا في اثبات ذلك، إلا أنه للتأمل فيه مجال، لقوة احتمال أن يكون المراد بيان الأولوية عند التزاحم في التصرف، وتقدم إرادته عند التخالف في الإرادة بحيث لو أراد الانسان شيئا وأراد الإمام غيره، قدمت إرادته على إرادته، لكونه إنما يأمره بشئ أو ينهاه عنه ليس إلا لمصلحة ملزمة راجعة إليه، ضرورة أنه في مرتبة المكمل لنقص المولى عليه الذي اقتضى اللطف وجود مكمل له متبوع في أوامره ونواهيه، بل ولو كان لمصلحة نفسه، لرجوعها أيضا