(له رضى وسخط؟) قال: (نعم، وليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين، وذلك لأن الرضا والغضب دخال يدخل عليه، فينقله من حال إلى حال، معتمل، مركب، للأشياء فيه مدخل، وخالقنا لا مدخل للأشياء فيه، واحد، أحدي الذات وأحدي المعنى، فرضاه ثوابه، وسخطه عقابه، من غير شئ يتداخله، فيهيجه وينقله من حال إلى حال، فإن ذلك صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين، وهو تبارك وتعالى القوي العزيز لا حاجة به إلى شئ مما يخلق، وخلقه جميعا محتاجون إليه، إنما خلق الأشياء لا من حاجة ولا سبب، اختراعا وابتداعا.) (1) أقول: إن جملة (ليس لمحبتي علة) ناظرة إلى أن صفاته الجمالية والجلالية والكمالات الإلهية كلها حضورية، وليست حصولية، حتى توجب تكثرا وانفعالا في ذاته تعالى كما في المخلوقات، وذلك لأنه سبحانه أحدي الذات والمعنى.
فقوله تعالى: (وجبت محبتي للمتحابين في.) مثلا، ليس بمعنى أن تحابب العباد موجب لمحبته تعالى للمتحابين على سبيل انفعال الحق سبحانه من تحاببهم، إذ يلزم من ذلك أن كون ذاته تعالى وتقدس موردا للانفعال والتأثر، مع أنه تعالى منزه من ذلك، بل هي بمعنى أنه تعالى مقدس من أن لا يشمل فضله وكرمه لمن كان أهلا للتحابب.
وليس ذلك بمعنى أنه تعالى مجبور على أن يكون كذلك بالنسبة إليهم، فكل ذلك بفضله وكرمه وله المنة عليهم، بل هو تعالى لا يكون علة للانفعال الصادرة عنه أيضا، كما هو مقتضى غناه الذاتي. وعليك بالتدبر في جملة دعاء عرفة الماضية: (الهي!
تقدس رضاك...)، ولذا علق سبحانه في الكريمتين السابقتين خلود الأشقياء في النار وخلود السعداء في الجنة، على مشيته، حيث قال: (إلا ما شاء ربك)، مع أنه تعالى أوعد بإدخال الأشقياء في النار، ووعد بإدخال السعداء في الجنة، كما قال في ذيل