أقول: قد تقدم في ذيل كلامه عز وجل: " خذ من الدنيا كفافا. " (1) وكلامه عز وجل:
" وطعامك الجوع. "، (2) وقوله عز وجل: " لا تتزين بلين الثياب وطيب الطعام. " (3) آيات وروايات تشهد على المقصود، كما يأتي في ذيل بعض آخر من جملات الحديث ما يرتبط بالمقام.
والذي ينبغي التوجه إليه هنا، هو لفظ " الكثرة " حيث كرر بالنسبة إلى الأمور الثلاثة، أعني الطعام والكلام واللباس، فلم يقل سبحانه: " لا يريدون الطعام والكلام واللباس. " بل قال: " لا يريدون كثرة الطعام ولا كثرة الكلام ولا كثرة اللباس. "، وذلك لأن مقتضى طبع الانسان هي الحاجة إلى الأكل والكلام واللباس. وامتياز أهل الخير والآخرة عن غيرهم، إنما هو في الاجتناب عن الزائد من ذلك، فإنهم لا يطلبون الزيادة والإكثار من الطعام ولا من الكلام واللباس، لعلمهم بأن إرادة الزيادة من ذلك يوجب الغفلة عن ذكر الله سبحانه، وأن كل ما يلهيهم عن ذكر الله تعالى فهو لغو يأمر سبحانه المؤمنين بالإعراض عنه. فإن مضرة الإفراط في الأمور المذكورة لا ينحصر في الضرر الظاهري الدنيوي، بل يوجب اضطراب الخاطر وتشتت البال وكثرة الخواطر واشتغال العبد بما لا ينبغي به الاشتغال.