أقول: يمكن أن يقال: إن المراد من البكاء في هذه الفقرة من الحديث، مطلق البكاء، سواء كان لشوق الجنة، أو لقاء الحق سبحانه، أو الفراق منه تعالى، أو على المعاصي والنفس وغفلاته في ما مضى من حياته، أو للخشية من الله تعالى وعظمته، أو على أهوال القبر والبرزخ ومواقف عالم الآخرة وعقباتها، أو للخوف من الجحيم ودركاتها وغير ذلك من البكاء الممدوح.
وأما وجه كون البكاء من صفات أهل الخير والآخرة، فلأن غيرهم من أبناء الدنيا الذين غمروا في الغفلات، ولم يتوجهوا إلا إلى الدنيا وزخرفها وزينتها، لا يلتفتون إلى الآخرة ودرجاتها ولا إلى الأمور المعنوية وكمالاتها، فضلا عن الاشتياق إليها والبكاء على فراقها. ويدل على بياننا هذا، قوله عز وجل بعد ذلك: " قلوبهم ذاكرة. "، ويأتي أيضا في ذيل كلامه عز وجل: " مونسهم، دموعهم التي تفيض على خدودهم. "، (1) وكلامه عز وجل: " يبكى كثيرا. " (2). من الأحاديث ما تدل على فضل البكاء.