أقول: قد تقدم في شرح قوله عز وجل " وجبت محبتي للمتحابين في. " (1) ما يدل على فضل التحابب في الله وعظمة أمر المؤمن وخطره وحرمته عند الله تعالى.
والمستفاد من جملة الحديث وما ذكرنا ذيلها، أن لله تعالى دارين وعبدين: الدار الدنيا ومن ينظر إليها بنظر الاستقلال، فإن الدار وناظرها كليهما مبغوضان، والدار الآخرة وناظرها وطالبها، فكلاهما محبوبان.
فعلى هذا، لو لم يكن لأحد من أبناء الانسان هم واهتمام إلا بالدنيا وزينتها، لزم الاجتناب والاعتزال عنه وترك المعاشرة معه، حذرا من الوقوع فيما ابتلى هو به من الغفلة عن الآخرة والذهول عن الفطرة وما عليه أصل الخلقة، وعكس ذلك، المجالسة والمعاشرة مع أبناء الآخرة، فإنها مطلوبة وتواددهم وتحاببهم محبوب، لأن في معاشرتهم وتزاورهم ومصاحبتهم، بل وفى مجرد رؤيتهم، ذكر الله سبحانه والاقبال على الآخرة والتوجه إلى المقصود من الخلقة. ورأس جماعة أهل الآخرة هم الأنبياء والأولياء عليهم السلام، ثم الأمثل فالأمثل.
وأما كيفية معرفة أهل الدنيا والآخرة وتمييز أحدهما عن الآخر، فيعلم بالفقرات الآتية من الحديث في الفصل الخامس عشر وفى هذا الفصل، أعني كلامه عز وجل في جواب سؤال النبي صلى الله عليه وآله: " يا رب! من أهل الدنيا؟ ومن أهل الآخرة؟ " قال عز وجل: " أهل الدنيا، من كثر أكله وضحكه ونومه وغضبه. "