القصة وقعت عام الفتح، فإن لم يكن فقد روى عمر بن شبة في كتاب مكة من طريق علي بن بذيمة بالموحدة، وزن عظيمة التابعي، قال: " دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكعبة. ودخل معه بلال، وجلس أسامة على الباب، فلما خرج وجد أسامة قد احتبى، فاخذ بجبوته فحلها ".
الحديث فلعله احتبى فاستراح فنعس، فلم يشاهد صلاته، فلما سئل عنها نفاها مستصحبا للنفي، لقصر زمن احتبائه، وفي كل ذلك إنما نفى رؤيته، لا ما في نفس الامر. وبعض العلماء حمل الصلاة المثبتة على اللغوية، والمنفية على الشرعية، ويرد هذا الحمل ما تقدم في بعض طرقه الصحيحة: أنه صلى ركعتين، فظهر أن المراد الشرعية لا مجرد الدعاء. وقال المهلب (1) شارح البخاري: يحتمل أن يكون دخول البيت وقع مرتين. صلى في إحداهما ولم يصل في الأخرى، وقال ابن حبان: الأشبه عندي في الجمع، أن يجعل الخبران في وقعتين، فيقال، لما دخل الكعبة في الفتح صلى فيها على ما رواه ابن عمر عن بلال، ويجعل نفي ابن عباس الصلاة في الكعبة في حجته التي حج فيها، لان ابن عباس نفاها وأسند ذلك إلى أسامة وأخيه الفضل، وابن عمر أثبتها، وأسند ذلك إلى أسامة، وإلى بلال وأسامة أيضا، فإذا حمل الخبر على ما وصفنا بطل التعارض. قال الحافظ: وهو جمع حسن لكن تعقبه النووي بأنه لا خلاف أنه - صلى الله عليه وسلم - دخل يوم الفتح لا في حجة الوداع، ويشهد له ما رواه الأزرقي عن سفيان بن عيينة عن غير واحد من أهل العلم: أنه - صلى الله عليه وسلم إنما دخل الكعبة مرة واحدة عام الفتح، ثم حج فلم يدخلها، وإذا كان الامر كذلك فلا يمتنع أن يكون دخلها عام الفتح مرتين ويكون المراد بالواحدة التي في خبر ابن عيينة واحدة السفر لا الدخول، وقد وقع عند الدارقطني من طريق ضعيفة ما يشهد لهذا الجمع. قلت: قال الدارقطني في سننه: واعتمد القاضي عز الدين بن جماعة ذلك. واستدل له أيضا بان الإمام أحمد قال في مسنده: حدثنا هشيم قال: أخبرنا عبد الملك عن عطاء، قال: قال أسامة بن زيد: دخلت مع النبي - صلى الله عليه وسلم البيت فجلس فحمد الله تعالى وأثنى عليه وهلله وكبره، وخرج ولم يصل، ثم دخلت معه في اليوم الثاني، فقام، ودعا ثم صلى ركعتين، ثم خرج فصلى ركعتين خارج البيت مستقبل وجه الكعبة، ثم انصرف، فقال: " هذه القبلة " ورواه أحمد بن منيع. قلت: لم أقف على هذا الحديث في مجمع الزوائد للهيثمي، ولا في إتحاف المهرة للابو صيري، لا في كتاب الصلاة، ولا في كتاب الحج فالله أعلم. والذي في مجمع الزوائد عن ابن عباس قال: دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - الكعبة، فصلى بين الساريتين ركعتين، ثم خرج وصلى بين الباب وبين الحجر ركعتين، ثم قال: " هذه القبلة " ثم