قوله: وكان البيت يومئذ، لان فيه إشعارا بأنه تغير عن هيئته الأولى. قال الكرماني: لفظ العمود جنس يشمل الواحد والاثنين فهو مجمل بينته رواية " وعمودين " ويحتمل أن يقال: لم تكن الأعمدة الثلاثة على سمت واحد، بل اثنان على سمت، والثالث على غير سمتهما، ولفظ المقدمتين في الحديث السابق مشعر به قال الحافظ: ويؤيده رواية مجاهد عن ابن عمر عند البخاري في باب " واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى "، " فان فيها بين الساريتين اللتين عن يسار الداخل " وهو صريح في أنه كان هناك عمودان على اليسار، وأنه صلى بينهما، فيحتمل أنه كان ثم عمود آخر عن اليمين، لكنه بعيد أو على غير سمت العمودين فيصح قول من قال:
جعل عن يمينه عمودين، وقول من قال: جعل عمودا عن يمينه، وجوز الكرماني احتمالا آخر، وهو أن يكون هناك ثلاثة أعمدة مصطفة، فصلى إلى جنب الأوسط فمن قال: جعل عمودا عن يمينه وعمودا عن يساره لم يعتبر الذي صلى إلى جنبه، ومن قال: عمودين اعتبره وجمع بعض المتأخرين باحتمال تعدد الواقعة، وهو بعيد لاتحاد مخرج الحديث، وقد جزم البيهقي بترجيح رواية أنه جعل عمودين عن يمينه وعمودا عن يساره. وقال المحب الطبري في صفوة الفرى إنه الاظهر.
العشرون: لا خلاف في دخوله - صلى الله عليه وسلم - الكعبة يوم الفتح، وتقدم في التنبيه الثامن عشر: أنه دخل في ثاني الفتح، وذكر بعضهم أنه دخلها في عمرة القضية، والصحيح خلافه، فقد قال البخاري عن عبد الله بن أوفى - رضي الله عنه - أنه لم يدخلها، وذكر بعضهم أنه دخلها في عمرة القضية وحجة الوداع، وسيأتي هناك تحقيق ذلك إن شاء الله تعالى.
الحادي والعشرون: اختلف في قدر إقامته - صلى الله عليه وسلم - بمكة كما تقدم في القصة، وجمع الامام البيهقي بين هذا الاختلاف بان من قال تسع عشرة عد يوم الدخول والخروج، ومن قال سبع عشرة حذفهما، ومن قال ثماني عشرة عد أحدهما. وأما رواية خمس عشرة فضعفها النووي من الخلاصة. قال الحافظ: وليس بجيد لان رواتها ثقات، ولم ينفرد بها ابن إسحاق كما تقدم بيانه في القصة، وإذا ثبت أنها صحيحة فلتحمل على أن الراوي ظن أن الأصل سبع عشرة فحذف منها يومي الدخول والخروج، فذكر أنها خمسة عشر، واقتضى ذلك أن رواية تسع عشرة، أرجح الروايات، ويرجحها أيضا أنها أكثر الروايات الصحيحة، قال الحافظ: وحديث أنس لا يعارض حديث ابن عباس أي السابق في آخر القصة، لان حديث ابن عباس في الفتح وحديث أنس كان في حجة الوداع، وبسط الكلام على بيان ذلك، وقال في موضع آخر: الذي أعتقده أن حديث أنس إنما هو في حجة الوداع فإنها هي السفرة التي أقام فيها بمكة عشرة أيام، لأنه دخل اليوم الرابع وخرج اليوم الرابع عشر، ثم قال الحافظ: ولعل