بالخندمة وضوى إليهم ناس من قريش، وناس من بني بكر، وهذيل، ولبسوا السلاح، يقسمون بالله لا يدخلها محمد عنوة أبدا، وكان رجل من بني الديل يقال له جماش - بكسر الجيم وتخفيف الميم - وبالشين المعجمة - بن قيس بن خالد لما سمع بدخول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل يصلح سلاحه، فقالت له امرأته: لمن تعد هذا؟ قال: لمحمد وأصحابه، قالت: والله ما أرى يقوم لمحمد وأصحابه شئ. قال: والله انى لأرجو أن أخدمك بعضهم فإنك محتاجة إليه قالت، ويلك: لا تفعل، ولا تقاتل محمدا والله ليضلن عنك رأيك، لو قد رأيت محمدا، وأصحابه، قال ستري ثم قال:
إن يقبلوا اليوم فمالي علة * هذا سلاح كامل وآله وذو غرارين سريع السلة ثم شهد الخندمة مع صفوان، وسهيل بن عمرو، وعكرمة فلما دخل خالد بن الوليد من حيث أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجد الجمع المذكور، فمنعوه الدخول، وشهروا له السلاح، ورموه بالنبل، وقالوا: لا تدخلها عنوة، فصاح في أصحابه، فقاتلهم، وقتل منهم أربعة وعشرون رجلا من قريش، وأربعة من هذيل.
وقال ابن إسحاق: أصيب من المشركين قريب من اثنى عشر أو ثلاثة عشر، وانهزموا أقبح الانهزام، حتى قتلوا بالحزورة، وهم مولون في كل وجه، وانطلقت طائفة منهم فوق رؤوس الجبال، وأتبعهم المسلمون.
قال محمد بن عمر - رحمه الله تعالى - وجعل خالد - رضي الله عنه - يتمثل بهذه الأبيات:
إذا ما رسول الله فينا رأيته * كلجة بحر نال فيها سريرها إذا ما ارتدينا الفارسية فوقها * ردينية يهدي الأصم خريرها رأينا رسول الله فينا محمدا * لها ناصرا عزت وعز نصيرها قال ابن هشام: وكان شعار المهاجرين من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة وحنين والطائف: يا بني عبد الرحمن، وشعار الخزرج: يا بني عبد الله، وشعار الأوس: يا بني عبيد الله.
وجعل أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام يصيحان يا معشر قريش علام تقتلون أنفسكم؟! من دخل داره فهو آمن، ومن وضع السلاح فهو آمن، فجعل الناس يقتحمون الدور ويغلقون عليهم، ويطرحون السلاح في الطرق حتى يأخذه المسلمون، ورجع جماش منهزما حتى انتهى إلى بيته، فدقه، ففتحت له امرأته، فدخل وقد ذهبت روحه، فقالت له: أين الخادم