الامامة والسياسة - ابن قتيبة الدينوري ، تحقيق الزيني - ج ٢ - الصفحة ١٧٢
خواطر العفو عنك. ورمى بها إلى زبيدة، فلما رأت توقيعه علمت أنه لا يرجع عنه. قال:
واعتل يحيى، فلما شفى دعا برقعة فكتب في عنوانها: ينفذ أمير المؤمنين أبقاه الله عهد مولاه يحيى بن خالد، وفيه: بسم الله الرحمن الرحيم، قد تقدم الخصم لموضع الفصل، وأنت على الأثر، والله الحكم العدل. فلما ثقل قال للسجان: هذا عهدي، توصله إلى أمير المؤمنين، فإنه ولي نعمتي، وأحق من نفذ وصيتي فلما مات أوصل السجان عهد يحيى إلى الرشيد.
فلما قرأه استمد (1)، فكتب، ولا أدري لمن الرقعة. فقلت: يا أمير المؤمنين، ألا أكفيك؟
قال: كلا: إني أخاف عادة الراحة أن يقوى سلطان العجزة فيحكم الغفلة، ويقضي بالبلادة.
قال سهل: فوقع فيها: الحكم الذي رضيت به في الآخرة لك، هو أعدى الخصوم عليك في الدنيا، وهو من لا ينقض حكمه، ولا يرد قضاؤه، ثم رمى الكتاب إلي، فلما رأيته علمت أنه ليحيي، وأن الرشيد أراد أن يؤثر الجواب عنه. قال سهل: قلت لبعض من أثق بوفائه، وأعتقد صدق إخائه من خصيان القصر المتقدمين عند أمير المؤمنين، والمتمكنين من كل ما يكون لديه. ما الذي نعى جعفر بن يحيى وذويه عند أمير المؤمنين، وما كان من ذنبه الذي لم يسعه عفوه، ولم يأت عليه رضاه؟ فقال: لم يكن له جرم، ولا لديه ذنب، كان والله جعفر على ما عرفته عليه، وفهمته عنه من اكتمال خصال الخير، ونزاهة النفس من كل مكروه ومحذور، إلا أن القضاء السابق، والقدر النافذ لا بد منه. كان من أكرم الخلق على أمير المؤمنين، وأقربهم منه، وكان أعظمهم قدرا وأوجبهم حقا فلما علم ذلك من حسن رأي أمير المؤمنين فيه وشديد محبته له، استأذنته أخته، فاختة بنت المهدي وشقيقته في إتحاف جعفر ومهاداته، فأذن لها، وكانت قد استعدت له بالجواري الرائعات، والقينات الفاتنات، فتهدى له كل جمعة بكرا يفتضها، إلى ما يصنع له من ألوان الطعام والشراب والفاكهة، وأنواع الكسوة والطيب، كل ذلك بمعرفة أمير المؤمنين ورأيه، فاستمرت بذلك زمانا، ومضت به أعواما. فلما كانت جمعة من الجمع، دخل جعفر القصر الذي استعددت به، ولم يرع جعفر إلا بفاختة ابنة المهدى في القصر، كأنها جارية من الجواري اللاتي كن يهدين له، فأصاب منها لذته، وقضى منها حاجته، ولا علم له بذلك. فلما كان المساء، وهم بالانصراف، أعلمته بنفسها، وعرفته بأمرها، وأطلعته على شديد هواها، وإفراط محبتها له، فازداد بها كلفا، وبها حبا، ثم استعفاها من المعاودة إلى ذلك. وانقبض عما كان يناله من جواريها، واعتذر بالعلة والمرض، فأعلم جعفر أباه يحيى. فقال له: يا بني أعلم أمير

(1) استمد: وضع قلمه في المداد وهو الحبر.
(١٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر اختلاف الرواة في وقعة الحرة وخبر يزيد 3
2 ولاية الوليد المدينة وخروج الحسين بن علي 4
3 قتال عمرو بن سعيد الحسين وقتله 5
4 قدوم من أسر من آل علي على يزيد 6
5 إخراج بني أمية عن المدينة، وذكر قتال أهل الحرة 7
6 حرب ابن الزبير رضي الله عنهما 9
7 خلاف معاوية بن يزيد 10
8 غلبة ابن الزبير رضي الله عنهما وظهوره 11
9 حريق الكعبة - اختلاف أهل الشام على ابن الزبير 12
10 بيعة أهل الشام مروان بن الحكم - موت مروان بن الحكم 13
11 بيعة عبد الملك بن مروان وولايته 14
12 غلبة ابن الزبير على العراقيين وبيعتهم 15
13 بيعة أهل الكوفة لابن الزبير وخروج ابن زياد عنهما 16
14 قتال المختار عمرو بن سعد 19
15 قتل مصعب بن الزبير المختار بن أبي عبيد الله - خلع ابن الزبير 20
16 قتل عبد الملك عمرو بن سعيد 21
17 مسير عبد الملك إلى العراق 22
18 قتل مصعب بن الزبير - ذكر حرب ابن الزبير وقتله 23
19 ولاية الحجاج على العراقيين 25
20 خروج ابن الأشعث على الحجاج 26
21 حرب الحجاج مع ابن الأشعث وقتله 29
22 أسر عامر بن سعيد الشعبي 39
23 انهزام ابن الأشعث وقيام عبد الرحمن بن عياش 41
24 ذكر قتل سعيد بن جبير 42
25 ذكر بيعة الوليد وسليمان بن عبد الملك 44
26 موت عبد الملك وبيعة الوليد 46
27 تولية موسى بن نصير البصرة 48
28 دخول موسى بن نصير على عبد الملك بن مروان - تولية موسى بن نصير على إفريقية 49
29 خطبة موسى بن نصير رحمه الله - دخول موسى بن نصير إفريقية 50
30 خطبة موسى بإفريقية 51
31 فتح زعوان - قدوم كتاب الفتح على عبد العزيز بن مروان - إنكار عبد الملك تولية موسى بن نصير 52
32 جوابه - كتاب عبد العزيز بالفتح إلى عبد الملك - جوابه 53
33 فتح هوارة وزناته وكتامة - فتح صنهاجة 54
34 فتح سجوما 55
35 قدوم الفتح على عبد الملك بن مروان 56
36 غزوة موسى في البحر 57
37 غزوة السوس الأقصى 58
38 قدوم الفتوحات على الوليد بن عبد الملك - فتح قلعة أرساف 59
39 فتح الأندلس 60
40 اتهام الوليد موسى بالخلع - دخول وفد موسى على الوليد بن عبد الملك 62
41 ذكر ما وجد موسى في البيت الذي وجد فيه المائدة مع صور العرب - ذكر ما أفاء الله عليهم 63
42 غزوة موسى بن نصير البشكنس والإفرنج 64
43 خروج موسى بن نصير من الأندلس - قدوم موسى إفريقية 66
44 قدوم موسى إلى مصر - قدوم موسى على الوليد رحمهما الله 68
45 خلافة سليمان بن عبد الملك وما صنع بموسى بن نصير 69
46 عدة موالي موسى بن نصير 70
47 ذكر ما رآه موسى بالمغرب من العجائب 71
48 تولية سليمان بن عبد الملك أخاه مسلمة وما أشار به موسى عليه 72
49 سؤال سليمان موسى عن المغرب 73
50 ذكر قدوم موسى على الوليد 74
51 ذكر اختلاف الناقلين في صنع سليمان بموسى 77
52 نسخة القضية 77
53 ذكر يد موسى إلى المهلب 78
54 ذكر قتل عبد العزيز بن موسى بالأندلس 79
55 قدوم رأس عبد العزيز بن موسى عن أخباره وأفعاله 83
56 ذكر ولاة الأندلس بعد موسى بن نصير - ذكر حج سليمان مع عمر بن عبد العزيز 86
57 ما قال طاووس اليماني لسليمان بمكة 87
58 ذكر وفاة سليمان واستخلافه عمر بن عبد العزيز 92
59 أيام عمر بن عبد العزيز 96
60 ذكر قدوم جرير بن الخطفى على عمر بن عبد العزيز 97
61 وفاة الرشيد والمأمون خارج العراق - اتصال أشرار العراق بالأمين وإيغار صدره على أخيه الأمين 174
62 دخول المأمون قصر الخلافة وحبسه أخاه الأمين - هروب الأمين من السجن وقتله - تمام الكتاب 175