فكان مما ألفنا بدءا من ذكر الدولة، وما أخبرنا عن الهيثم بن عدي، عن الرجال الذين حدثوه. قالوا: لما سلم الحسن بن علي الأمر إلى معاوية بن أبي سفيان، قامت الشيعة من أهل المدينة، وأهل مكة، وأهل الكوفة، واليمن، وأهل البصرة، وأرض خراسان، في ستر وكتمان، فاجتمعوا إلى محمد بن علي، وهو محمد بن الحنفية، فبايعوه على طلب الخلافة إن أمكنه ذلك، وعرضوا عليه قبض زكاتهم، لينفقوها يوم الوثوب على فرصته، فيما يحتاج من النفقة على مجاهدته، فقبلها، وولى على شيعة كل بلد رجلا منهم، وأمره باستدعاء من قبله منهم، في سر وتوصية إليهم، ألا يبوحوا بمكتومهم، إلا لمن يوثق به، حتى يرى للقيام موضعا. فأقام محمد بن الحنفية: إمام الشيعة قابضا لزكاتهم، حتى مات. فلما حضرته الوفاة، ولى عبد الله ابنه من بعده، وأمره بطلب الخلافة إن وجد إلى ذلك سبيلا، وأعلم الشيعة بتوليته إياه، فأقام عبد الله بن محمد بن علي، وهو أمير الشيعة، فبلغ ذلك سليمان بن عبد الملك، في أول خلافته، أن الشيعة قد بايعت عبد الله بن محمد بن علي، بعد أبيه، فبعث إليه، وقد أعد له في أفواه الطرق رجالا، معهم أشربة مسمومة، وأمرهم إذا خرج من عنده أن يعرضوا عليه الشراب. فلما دخل على سليمان، أجلسه إلى جانبه. ثم قال له: بلغني أن الشيعة بايعتك على هذا الأمر، فجحده عبد الله وقال: بلغك الباطل، وما زال لنا أعداء يبلغون الأئمة قبلك عنا مثل ما بلغك، ليغروهم بنا، فيدفع الله عنا كيد من ناوأنا، وأنا بما يلزمني من مؤنتي أشغل مني بطلب هذا الأمر، ثم خرج من عنده في وقت شديد الحر، فكان لا يمر بموضع إلا قام إليه الرجل بعد الرجل، يقول له: هل لك في شربة سويق اللوز، وسويق كذا وكذا يا بن بنت رسول الله، ونفسه موجسة منهم، فيقول: بارك الله لكم، حتى إذا خرج إلى آخر الطريق، خرج إليه رجل من خبائه، وبيده عس (1)، فقال له: هل لك في في شربة من لبن يا بن بنت رسول الله؟ فوقع في نفسه أن اللبن مما لا يسم، فشرب منه ثم مضى، فلم ينشب أن وجد للسم حسا (2)، فاستدل على الطريق إلى الحميمة (3)، وبها جماعة آل عباس، وقال لمن معه: إن مت ففي أهلي، ثم توجه فنزل على محمد بن علي بن عبد الله بن عباس فأخبره الخبر، وقال له: إليك الأمر، والطلب للخلافة بعدي، فولاه، وأشهد له من الشيعة رجالا، ثم مات. فأقام محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، ودعوة الشيعة له حتى مات، فلما حضرته الوفاة، ولى محمد بن إبراهيم الأمر، فأقام وهو أمير الشيعة، وصاحب الدعوة بعد أبيه.
(١٠٩)