مروان بن الحكم، فأسكنهم السجن عشرين شهرا، ثم دس لهم السم، فماتوا جميعا، وأقصى من سائر قريش ثلاثين رجلا، بعد أن أغرمهم مئة ألف ألف وباع عقر (1) أموالهم ورباعهم، وحمل العذاب عليهم والنكال، حتى أصارهم عالة يتكففون الناس، متفرقين في كور الشام، وآفاق البلاد، وصلب من الناس جملة ممن ألف هؤلاء القوم، واتهم بمصانعتهم ومصاحبتهم، وكانت ولايته في ربيع الأول سنة إحدى ومئة، ومات سنة ست ومئة.
ولاية هشام بن عبد الملك قال: وذكروا أن عبد الملك بن مروان، بينما هو يوما في بعض بوادي الشام يتطوف، إذ نظر إلى ساع يسعى إليه، فوقف منتظرا له، فلما قاربه قال له: ما وراءك؟ فقال: ولدت المخزومية غلاما، قال: فما سمته؟ قال: هشاما. قال: هشم الله رأسها. فقال له قبيصة بن ذؤيب: ولم يا أمير المؤمنين؟ قال: أخبرني أبي مروان، أنه سمع بشرة بنت صفوان تقول:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: راحة أصحابي معاوية، ولا راحة لهم بعد معاوية وراحة العرب هشام، ولا راحة لهم بعد هشام:
وذكروا أن هشاما صارت إليه الخلافة في سنة ست ومئة، فكان محمود السيرة، ميمون النقيبة، وكان الناس معه في دعة وسكون وراحة، لم يخرج عليه خارج، ولم يقم عليه قائم، إلا ما كان من قيام زيد بن علي بن الحسين، في بعض نواحي الكوفة، فبعث إليه ابن هبيرة، وكان عامل الكوفة، فأخذ زيد، فأنى به ابن هبيرة، فأمر بقتله دون رأي هشام، فلما بلغ ذلك هشاما، عظم عليه قتله، وأعظم فعل ابن هبيرة، واجترائه على قتل قرشي دون مشورة حتى جعل يقول: مثل زيد بن علي في شرفه وفضله يقتله ابن هبيرة، وما كان عليه من قيامه، إن هذا لهو البلاء المبين، وما يزال ابن هبيرة مبغضا لأهل هذا البيت من آل هاشم وآل عبد المطلب، ووالله لا زلت لهم محبا حتى أموت، ثم عزل ابن هبيرة عن الكوفة، وأغرمه ألف ألف، ولم يل له شيئا حتى مات، وكانت أيام هشام عشرين سنة، ولي سنة ست ومئة، وتوفي سنة ست وعشرين ومئة، بعد أن حج إحدى عشرة حجة، وهو خليفة.