وقال لهم: إن الجزع لا يزيد في الأجل، وإن الصبر لا ينقص الأجل وأقبل القوم فاقتتلوا من وقت صلاة الصبح إلى أن مالت الشمس، فأصيب عبد الله ومحمد ابنا مروان وبنو أبيه أكثرهم، وولد عبد العزيز، وصابر القوم، فلما لم يبق حوله إلا قدر الثلاثين، حمل على القوم فأكردهم (1) ورجع، فجعل أصحابه يفترقون عنه. فلما رأى ذلك نزل عن فرسه وأنشأ يقول متمثلا:
ذل الحياة وهول الممات * وكلا أراه وخيما وبيلا فإن كان لا بد من ميتة * فسيرى إلى الموت سيرا جميلا فوثب رجل إلى فرسه فأخذه. فقال له مروان: أكرمه فإنه أشقر مروان. ثم كسر غمد سيفه، وقاتل قتالا شديدا، ثم أصيب، فنزل أبو عون، فأمر بضرب قبابه، وأمر سليمان ابن هشام بطلب المنهزمين، حتى أصيب عامتهم واستأسر منهم من استأسر، وكان فيمن أسر منهم عبد الحميد كاتبه، وحكم المكي مؤذنه، فاستبقاهما أبو عون، وبعث بهما إلى صالح بن علي، ثم أمر أبو عون بطلب جثة مروان على شاطئ النيل. فلما كان من الغد: ركب أبو عون وسليمان ابن هشام لينظرا مروان، فنظرا إليه، ثم تحول أبو عون إلى سليمان. فقال: الحمد لله الذي شفى صدرك قبل الموت من مروان، فهل لك يا أبا أيوب أن تذهب إلى أمير المؤمنين بكتابي وبما هيأ الله على يديك وشفا به صدرك، فيفعل بك خيرا، ويعرف من قرابتك ونصحك ما أنت أهله؟ فرضي بذلك سليمان، فكتب وسار. فلما قدم سليمان بن هشام على أبي العباس أمير المؤمنين، رحب به وقربه واستلطفه، وأنزله بعض دور الكوفة، وفعل به ما لم يفعل بأحد سواه، من البر والاكرام، وكان سليمان يختلف إلى مائدة أبى العباس في كل يوم، فيتغدى معه، ويتعشى، وكان كأحد وزرائه وفوقهم، وكان يجلس أبا جعفر عن يمينه، وسليمان عن يساره.
قتل أبي سلمة الخلال قال: وذكروا أن أبا العباس لما تمت له الأمور واستوثقت، استشار وزراءه في قتل أبي سلمة، فأدار القوم الرأي فيه، وكان أبو سلمة يظهر الإدلال والقدرة على أمير المؤمنين، وكان يقيم عنده في كل ليلة إلى حين من الليل، فإذا أراد الخروج والرجوع إلى منزله، قربت إليه دابته إلى المجلس، فيركب منه دون غيره، ثم يخرج إلى داره. فقالوا له: إنك إن قتلته ارتاب أبو مسلم، ولم تأمن أن يحدث لذلك حدثا، ولكن الرأي أن تكتب إليه بالذي رابك