منكس رأسه قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله، ثم قال إن الخلفاء كانت تتعاهدني فيما مضى بجوائز وصلات، وقد أصبحت إلى ذلك منك محتاجا. ثم أنشأ يقول:
قد طال قولي إذا ما قمت مبتهلا * يا رب أصلح قوام الدين والبشر إنا لنرجو إذ ما الغيث أخلفنا * من الخليفة ما نرجو من المطر أأذكر الجهد والبلوى التي نزلت * أم قد كفاني ما بلغت من خبر ما زلت بعدك في هم يؤرقني * قد طال في الحي إصعادي ومنحدري (1) لا ينفع الحاضر المجهود بادية * ولا يعود لنا باد على حضر كم باليمامة (2) من شعثاء أرملة * ومن يتيم ضعيف الصوت والنظر يدعوك دعوة ملهوف كأن به * مسا من الجن أو مسا من البشر فإن تدعهم فمن يرجون بعدكم * أو تنج منها فقد أنجيت من ضرر هذى الأرامل قد قضيت حاجتها * فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر خليفة الله ما ذا تأمرون بنا * لسنا إليكم ولا في دار منتظر أنت المبارك والمهدي سيرته * تعصى الهوى وتقوم الليل بالسور قال: فبكى عمر، وهملت عيناه، وقال: ارفع حاجتك إلينا يا جرير. قال جرير:
ما عودتني الخلفاء قبلك. قال: وما ذلك؟ قال: أربعة آلاف دينار، وتوابعها من الحملان والكسوة. قال عمر: أمن أبناء المهاجرين أنت؟ قال: لا. قال: أفمن أبناء الأنصار أنت؟
قال: لا. قال: أفقير أنت من فقراء المسلمين؟ قال: نعم. قال: فأكتب لك إلى عامل بلدك، أن يجري عليك ما يجري على فقير من فقرائهم. قال جرير: أنا أرفع من هذه الطبقة يا أمير المؤمنين. قال: فانصرف جرير. فقال عمر: ردوه علي. فلما رجع قال له عمر: قد بقيت خصلة أخرى، عندي نفقة وكسوة أعطيك بعضها، ثم وصله بأربعة دنانير. فقال: وأين تقع مني هذه يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر: إنها والله لمن خالص مالي، ولقد أجهدت لك نفسي.
فقال جرير: والله يا أمير المؤمنين إنها لأحب مال كسبته. ثم خرج، فلقيه الناس فقالوا له:
ما وراءك؟ قال: جئتكم من عند خليفة يعطي الفقراء، ويمنع الشعراء وإني عنه لراض: