دخول محمد بن علي على هشام قال: وذكروا أن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس دخل، وهو شيخ كبير قد غشي بصره على هشام بن عبد الملك، متوكئا على ولديه أبي العباس وأبي جعفر، فسلم. ثم قال له هشام: ما حاجتك؟ ولم يأذن له في الجلوس، فذكر قرابته وحاجة به، ثم استجداه. فقال هشام: ما هذا الذي بلغني عنكم يا بني العباس، ثم يأتي أحدكم وهو يرى أنه أحق بما في أيدينا منا، والله لا أعطيتك شيئا. فخرج محمد بن علي، فقال هشام كالمستهزئ: إن هذا الشيخ ليرى أن الأمر سيكون لولديه هذين، أو لأحدهما، فرجع محمد نحوه فقال: أما والله إني أرى ذلك على رغم من رغم. فضحك هشام وقال: أغضبنا الشيخ، ثم مضى محمد بن علي.
ولاية الوليد بن يزيد وفتن الدولة قال: وذكروا أن الوليد بن يزيد لما تولى الأمر بعد هشام، أساء السيرة، وانتحى على أهله وجماعة قريش، وأحدث الأحداث العظيمة، وسفك الدماء وأباح الحريم، وكانت ولايته في سنة ست وعشرين ومئة. فلما استولى على الأمر بعث إلى أشراف الأجناد، فقدموا عليه وقدم خالد فيمن قدم، فلم يأذن لواحد منهم، وكان مشتغلا بلهوه ولعبه، ومرض خالد، فاستؤذن له في الانصراف فأذن له، فانصرف إلى دمشق، فأقام بها شهرا. ثم كتب إليه الوليد: إن أمير المؤمنين قد علم الخمسين ألف ألف التي تعلم، فأقدم بها على أمير المؤمنين مع رسوله، فقد أمره أن لا يعجلك عن جهازك، فبعث خالد إلى عدة من ثقاته، فيهم عمارة بن أبي كلثوم، فأقرأهم كتاب الوليد وقال: أشيروا علي برأيكم. فقالوا: إن الوليد ليس بمأمون، فالرأي أن تدخل مدينة دمشق، فتأخذ بيوت الأموال، وتدعو إلى من أحببت، والناس قومك، ولن يختلف منا عليك اثنان. فقال لهم: وماذا؟ قالوا: تأخذ بيوت الأموال، وتجمع إليك قومك حتى تتوثق لنفسك. قال: وماذا؟ قالوا: نتوارى.
فقال: أما قولكم أن أدعو إلى من أحببت، فإني أكره أن تكون الفرقة على يدي، وأما قولكم أن آخذ بيوت الأموال حتى أتوثق لنفسي، فأنتم لا تأمنونني عليها ولا ذنب لي، فكيف لي ترجون وفاء بما يعطيني. وقد فعلت ما فعلت، وأما قولكم في التواري، فوالله ما قنعت رأسي خوفا من أحد قط، فالآن وقد بلغت من السن ما بلغت؟ ولكني أمضي، وأستعين بالله تعالى.