سروره أذى، فقد أصبحت للمسلمين ثقة وسترا، يفزعون إليك في أمورهم ويقصدونك في حوائجهم، وما أجد يا أمير المؤمنين، جعلني الله فداك شيئا، أبلغ في حقك وتوقير مجلسك، إذ من الله علي بمجالستك، والنظر إلى وجهك مني، وما أجد فيما أظهر ذلك إلا في مذاكرتك نعم الله التي أنعم؟ بها عليك، وأحسن فيها إليك، وأنبهك إلى شكرها، ثم إني لا أجد شيئا هو أبلغ في ذلك، ولا أجمع من ذكر حديث لملك خلا من الملوك، كان في سالف الأمم، فإن أذن أمير المؤمنين أكرمه الله حدثته. قال: وكان هشام متكئا، فاستوى جالسا وقال: هات يا بن الأهتم، قال: قلت يا أمير المؤمنين، إن ملكا كان فيما خلا من الملوك، مجتمعا له فيها فتاء السن واعتدال الطبائع، وتمام الجمال، وكثرة المال، وتمكين الملك، وكان له ذلك إلى البطر والمرح داعيا، وعلى الغفلة والذهول معينا، فخرج متنزها إلى بعض منازله. فصعد جوسقا (1) له، فأشرف على أرض، قد أخضلها ربيع عامه (2)، كان شبيها بعامك هذا يا أمير المؤمنين، في خصبه وعشبه، وكثرة زهره، وحسن منظره، فنظر فرجع إليه بصره كليلا عن بلوغ أقصى أمواله من الضياع والإبل والخيل والنعم. فقال لنفر من ناديه. لمن هذا؟ قيل له: لك، فأعجبته نفسه، وما بسط له من ذلك، حتى أظهر فرحه وزهوه، ثم قال لجلسائه: هل رأيتم مثل ما أنا فيه، أم هل أوتي أحد مثل ما أوتيت؟ وكان عنده رجل من بقايا حملة الحجة والعلم، والمضي على أدب الحق ومنهاج الصدق في الضمير والمقالة، وقد قيل: إن الله الجليل، لم يخل الأرض منذ هبط آدم، من قائم يقوم بحجة الله فيها، وكان ذلك الرجل ممن يسامره. قال:
أيها الملك، قد سألت عن أمر أفتأذن لي بالجواب فيه؟ قال: نعم. قال: أرأيتك هذا الذي أعجبك مما عليه اطلع نظرك، واستطال ملكك وسلطانك، أشئ لم يزل لك ولم يزل عنك، أم شئ كان لغيرك، فزال عنه إليك، ثم هو صائر إلى غيرك كما صار إليك؟ قال الملك: بل كما ظننت ومثلت. قال: فإني أراك أعجبت بما يفنى، وزهدت فيما يبقى، وسررت بقليل، وحسابه غدا طويل. قال: ويحك فكيف المطلب، وأين المهرب، وما الحيلة في المخرج؟ قال: إحدى خصلتين، إما أن تقيم في ملكك، فتعمل فيه بطاعة ربك على ما سرك وساءك وأمضك، وإما أن تضع تاجك ونجادك (3)، وتذكر ذنوبك، وتلحق في الخلاء بمن يغفر لك، فتعبد فيه ربك، حتى يوافيك أجلل، وتنقضي مدتك، وأنت عامل لربك فيما يعطيك. قال: فإذا فعلت ذلك فما لي؟ فقال: ملك خالد لا يفنى، ونعيم لا ينقضي، ومزيد وكرامة، وصحة لا تستقيم أبدا، وسرور لا ينصرم،