الامامة والسياسة - ابن قتيبة الدينوري ، تحقيق الزيني - ج ٢ - الصفحة ١٠٦
سروره أذى، فقد أصبحت للمسلمين ثقة وسترا، يفزعون إليك في أمورهم ويقصدونك في حوائجهم، وما أجد يا أمير المؤمنين، جعلني الله فداك شيئا، أبلغ في حقك وتوقير مجلسك، إذ من الله علي بمجالستك، والنظر إلى وجهك مني، وما أجد فيما أظهر ذلك إلا في مذاكرتك نعم الله التي أنعم؟ بها عليك، وأحسن فيها إليك، وأنبهك إلى شكرها، ثم إني لا أجد شيئا هو أبلغ في ذلك، ولا أجمع من ذكر حديث لملك خلا من الملوك، كان في سالف الأمم، فإن أذن أمير المؤمنين أكرمه الله حدثته. قال: وكان هشام متكئا، فاستوى جالسا وقال: هات يا بن الأهتم، قال: قلت يا أمير المؤمنين، إن ملكا كان فيما خلا من الملوك، مجتمعا له فيها فتاء السن واعتدال الطبائع، وتمام الجمال، وكثرة المال، وتمكين الملك، وكان له ذلك إلى البطر والمرح داعيا، وعلى الغفلة والذهول معينا، فخرج متنزها إلى بعض منازله. فصعد جوسقا (1) له، فأشرف على أرض، قد أخضلها ربيع عامه (2)، كان شبيها بعامك هذا يا أمير المؤمنين، في خصبه وعشبه، وكثرة زهره، وحسن منظره، فنظر فرجع إليه بصره كليلا عن بلوغ أقصى أمواله من الضياع والإبل والخيل والنعم. فقال لنفر من ناديه. لمن هذا؟ قيل له: لك، فأعجبته نفسه، وما بسط له من ذلك، حتى أظهر فرحه وزهوه، ثم قال لجلسائه: هل رأيتم مثل ما أنا فيه، أم هل أوتي أحد مثل ما أوتيت؟ وكان عنده رجل من بقايا حملة الحجة والعلم، والمضي على أدب الحق ومنهاج الصدق في الضمير والمقالة، وقد قيل: إن الله الجليل، لم يخل الأرض منذ هبط آدم، من قائم يقوم بحجة الله فيها، وكان ذلك الرجل ممن يسامره. قال:
أيها الملك، قد سألت عن أمر أفتأذن لي بالجواب فيه؟ قال: نعم. قال: أرأيتك هذا الذي أعجبك مما عليه اطلع نظرك، واستطال ملكك وسلطانك، أشئ لم يزل لك ولم يزل عنك، أم شئ كان لغيرك، فزال عنه إليك، ثم هو صائر إلى غيرك كما صار إليك؟ قال الملك: بل كما ظننت ومثلت. قال: فإني أراك أعجبت بما يفنى، وزهدت فيما يبقى، وسررت بقليل، وحسابه غدا طويل. قال: ويحك فكيف المطلب، وأين المهرب، وما الحيلة في المخرج؟ قال: إحدى خصلتين، إما أن تقيم في ملكك، فتعمل فيه بطاعة ربك على ما سرك وساءك وأمضك، وإما أن تضع تاجك ونجادك (3)، وتذكر ذنوبك، وتلحق في الخلاء بمن يغفر لك، فتعبد فيه ربك، حتى يوافيك أجلل، وتنقضي مدتك، وأنت عامل لربك فيما يعطيك. قال: فإذا فعلت ذلك فما لي؟ فقال: ملك خالد لا يفنى، ونعيم لا ينقضي، ومزيد وكرامة، وصحة لا تستقيم أبدا، وسرور لا ينصرم،

(1) الجوسق: القصر (2) أخضلها: بللها بالمطر (3) النجاد جمع نجد وهو ما ينجد به البيت من فرش وبسط ونحوها
(١٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر اختلاف الرواة في وقعة الحرة وخبر يزيد 3
2 ولاية الوليد المدينة وخروج الحسين بن علي 4
3 قتال عمرو بن سعيد الحسين وقتله 5
4 قدوم من أسر من آل علي على يزيد 6
5 إخراج بني أمية عن المدينة، وذكر قتال أهل الحرة 7
6 حرب ابن الزبير رضي الله عنهما 9
7 خلاف معاوية بن يزيد 10
8 غلبة ابن الزبير رضي الله عنهما وظهوره 11
9 حريق الكعبة - اختلاف أهل الشام على ابن الزبير 12
10 بيعة أهل الشام مروان بن الحكم - موت مروان بن الحكم 13
11 بيعة عبد الملك بن مروان وولايته 14
12 غلبة ابن الزبير على العراقيين وبيعتهم 15
13 بيعة أهل الكوفة لابن الزبير وخروج ابن زياد عنهما 16
14 قتال المختار عمرو بن سعد 19
15 قتل مصعب بن الزبير المختار بن أبي عبيد الله - خلع ابن الزبير 20
16 قتل عبد الملك عمرو بن سعيد 21
17 مسير عبد الملك إلى العراق 22
18 قتل مصعب بن الزبير - ذكر حرب ابن الزبير وقتله 23
19 ولاية الحجاج على العراقيين 25
20 خروج ابن الأشعث على الحجاج 26
21 حرب الحجاج مع ابن الأشعث وقتله 29
22 أسر عامر بن سعيد الشعبي 39
23 انهزام ابن الأشعث وقيام عبد الرحمن بن عياش 41
24 ذكر قتل سعيد بن جبير 42
25 ذكر بيعة الوليد وسليمان بن عبد الملك 44
26 موت عبد الملك وبيعة الوليد 46
27 تولية موسى بن نصير البصرة 48
28 دخول موسى بن نصير على عبد الملك بن مروان - تولية موسى بن نصير على إفريقية 49
29 خطبة موسى بن نصير رحمه الله - دخول موسى بن نصير إفريقية 50
30 خطبة موسى بإفريقية 51
31 فتح زعوان - قدوم كتاب الفتح على عبد العزيز بن مروان - إنكار عبد الملك تولية موسى بن نصير 52
32 جوابه - كتاب عبد العزيز بالفتح إلى عبد الملك - جوابه 53
33 فتح هوارة وزناته وكتامة - فتح صنهاجة 54
34 فتح سجوما 55
35 قدوم الفتح على عبد الملك بن مروان 56
36 غزوة موسى في البحر 57
37 غزوة السوس الأقصى 58
38 قدوم الفتوحات على الوليد بن عبد الملك - فتح قلعة أرساف 59
39 فتح الأندلس 60
40 اتهام الوليد موسى بالخلع - دخول وفد موسى على الوليد بن عبد الملك 62
41 ذكر ما وجد موسى في البيت الذي وجد فيه المائدة مع صور العرب - ذكر ما أفاء الله عليهم 63
42 غزوة موسى بن نصير البشكنس والإفرنج 64
43 خروج موسى بن نصير من الأندلس - قدوم موسى إفريقية 66
44 قدوم موسى إلى مصر - قدوم موسى على الوليد رحمهما الله 68
45 خلافة سليمان بن عبد الملك وما صنع بموسى بن نصير 69
46 عدة موالي موسى بن نصير 70
47 ذكر ما رآه موسى بالمغرب من العجائب 71
48 تولية سليمان بن عبد الملك أخاه مسلمة وما أشار به موسى عليه 72
49 سؤال سليمان موسى عن المغرب 73
50 ذكر قدوم موسى على الوليد 74
51 ذكر اختلاف الناقلين في صنع سليمان بموسى 77
52 نسخة القضية 77
53 ذكر يد موسى إلى المهلب 78
54 ذكر قتل عبد العزيز بن موسى بالأندلس 79
55 قدوم رأس عبد العزيز بن موسى عن أخباره وأفعاله 83
56 ذكر ولاة الأندلس بعد موسى بن نصير - ذكر حج سليمان مع عمر بن عبد العزيز 86
57 ما قال طاووس اليماني لسليمان بمكة 87
58 ذكر وفاة سليمان واستخلافه عمر بن عبد العزيز 92
59 أيام عمر بن عبد العزيز 96
60 ذكر قدوم جرير بن الخطفى على عمر بن عبد العزيز 97
61 وفاة الرشيد والمأمون خارج العراق - اتصال أشرار العراق بالأمين وإيغار صدره على أخيه الأمين 174
62 دخول المأمون قصر الخلافة وحبسه أخاه الأمين - هروب الأمين من السجن وقتله - تمام الكتاب 175