منع معاوية الماء من أصحاب علي قال: وذكروا أنه لما نزل معاوية بصفين، بعث أبا الأعور بمن معه، ليحولوا بينهم وبين الفرات، وأن أهل العراق لما نزلوا بعثوا غلمانهم ليستقوا لهم من الفرات، فحالت خيل معاوية بينهم وبين الماء، فانصرفوا، فساروا إلى علي، فأخبروه فقال علي للأشعث: اذهب إلى معاوية، فقل له: إن الذي جئنا له غير الماء، ولو سبقناك إليه لم نحل بينك وبينه، فإن شئت خليت عن الماء، وإن شئت تناجزنا عليه وتركنا ما جئنا له. فانطلق الأشعث إلى معاوية، فقال له إنك تمنعنا الماء وأيم الله لنشربنه، فمرهم يكفوا عنه قبل أن نغلب عليه، والله لا نموت عطشا وسيوفنا على رقابنا. فقال معاوية لأصحابه: ما ترون؟ فقال رجل منهم: نرى أن نقتلهم عطشا، كما قتلوا عثمان ظلما. فقال عمرو بن العاص: لا تظن يا معاوية أن عليا يظمأ وأعنة الخيل بيده، وهو ينظر إلى الفرات، حتى يشرب أو يموت دونه، خل عن القوم يشربوا. فقال معاوية: هذا والله أول الظفر، لا سقاني الله من حوض الرسول إن شربوا منه، حتى يغلبوني عليه. فقال عمرو: وهذا أول الجور، أما تعلم أن فيهم العبد والأجير والضعيف ومن لا ذنب له؟ لقد شجعت الجبان، وحملت من لا يريد قتالك على قتالك.
غلبة أصحاب علي على الماء قال: وذكروا أن معاوية لما غلب على الماء اغتم علي لما فيه الناس من العطش، فخرج ليلا والناس يشكون بعضهم إلى بعض، مخافة أن يغلب أهل الشام على الماء، فقال الأشعث:
يا أمير المؤمنين، أيمنعنا القوم الماء وأنت فينا ومعنا السيوف؟ خل عنا وعن القوم، فوالله لا أرجع إليك حتى أرده، أو أموت دونه، وأمر الأشتر أن يعلو الفرات في الخيل، حتى آمره بأمري. فقال علي: ذلك لك. فانصرف الأشعث، فنادى في الناس: من كان يريد الماء فميعاده الصبح، فإني ناهض إلى الماء، فأجابه بشر كثير، فتقدم الأشعث في الرجالة، والأشتر في الخيل، حتى وقفا على الفرات، فلم يزل الأشعث في الرجالة يمضي، حتى خالط القوم، ثم حسر عن رأسه، فنادى: أنا الأشعث بن قيس، خلوا عن الماء. فقال أبو الأعور: أما والله قبل أن تأخذنا وإياكم السيوف فلا. فقال الأشعث: أظنها والله قد دنت منا ومنكم. قال:
وبعث الأشعث إلى الأشتر أن أقحم الخيل، فأقحمها الأشتر، حتى وضع سنابكها في الفرات، وحمل الأشتر في الرجالة، فأخذت القوم السيوف فانكشف أبو الأعور وأصحابه، وبعث الأشتر إلى علي: هلم يا أمير المؤمنين، قد غلب الله لك على الماء، فلما غلب أهل العراق على