المكية - ومنها هذه السور - خطابها المشركين وجدالها معهم في شركهم وكفرهم وجحودهم للمبدأ والمعاد، مما لا يتناسب بظاهره مع الكتمان بل الإعلان.
فسور النمل والقصص والإسراء ويونس وهود ويوسف وحتى الحجر، وهي السور النازلة بعد الشعراء وقبل الحجر، هي سور تساور المشركين وتحاورهم في كثير من آياتها، وسورة الحجر بالخصوص تقول في بدايتها:
* (ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون وما أهلكنا من قرية الا ولها كتاب معلوم ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر انك لمجنون لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين) * (1) فهل هي من الكتمان في شئ؟!
بل قال العلامة الطباطبائي في تفسيره في التعريف بسورة الحجر:
" تشتمل السورة على الكلام حول استهزاء الكفار بالنبي (صلى الله عليه وآله) ورميه بالجنون، ورمي القرآن الكريم بأنه من أهذار الشياطين. ففيها تعزية للنبي (صلى الله عليه وآله) وأمر بالصبر والثبات والصفح عنهم وتطييب لنفسه الشريفة وانذار وتبشير.
وتشتمل السورة على قوله تعالى: * (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين) * والآية تقبل الانطباق على ما ضبطه التأريخ أن النبي (صلى الله عليه وآله) اكتتم في أول البعثة - ثلاث سنين أو أربعا أو خمسا - لا يعلن دعوته، لاشتداد الأمر عليه، فكان لا يدعو الا آحادا ممن يرجو منهم الإيمان، يدعوهم خفية ويسر إليهم الدعوة، حتى أذن له ربه في ذلك وأمره أن يعلن دعوته.