وليس بغريب على المرأة الفاضلة كخديجة أن تطلب لنفسها محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله) وتفضله على سادة مكة وأشرافها، فلقد كان في القمة في صفاته التي لم يعرف العرب لها مثيلا ماضيهم وحاضرهم. واجتهد خصومه أن يجدوا في حياته ولو نزوة تخدش تأريخه المجيد، أو مغمزة منه لنيل جاه أو اصطياد ثروة أو انحراف مع غرائز الشباب التي تثور وتتمرد أحيانا على العقل والخلق والحكمة، فلم يجدوا شيئا من ذلك. وكان قد جمع إلى ذلك من صباحة الوجه وجمال التركيب ما لم يتوفر في أحد سواه كما وصفوه:
فقد جاء في رواية عمرو بن شمر عن جابر أ نه قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي الباقر صف لي رسول الله. قال: كان نبي الله أبيض الوجه مشربا بحمرة، أدعج العينين، مقرون الحاجبين، شثن الأطراف كأن الذهب افرغ على براثنه، عظيم مشاشة المنكبين. إذا التفت التفت جميعا من شدة استرساله. سربته سائلة من لبته إلى سرته كأنها وسط الفضة المصفاة، وكأن عنقه إلى كاهله إبريق فضة، يكاد أنفه إذا شرب الماء أن يرد الماء. وإذا مشى تكفأ كأنه ينزل من صبب، لم ير مثل نبي الله قبله ولا بعده (1).
إذن، فليس بغريب إذا خطبته خديجة لنفسها، وظلت تشاطره آلامه وتناصره بقلبها وعقلها ومالها حتى لحقت بربها قبل هجرته إلى المدينة بسنة أو سنتين عن خمسة وستين عاما (2).