اتخذوا من تلك المياه نهرا بمقدار معلوم ينتهي في جريانه إلى المخراق، وكان في هذا المخراق للأخذ من تلك الأنهار ثلاثون نقبا مستديرة في استدارة الذراع طولا وعرضا مدورة على أحسن هندسة وأكمل تقدير، وكانت المياه تخرج من تلك الأنقاب في مجاريها حتى تأتي الجنان فترويها سقيا، وتعم شرب القوم.
ثم إن تلك الأمم بادت وضربها الدهر بضرباته وطحنها بكلكله، ومرت عليها السنون، وعمل الماء في أصول ذلك المخراق وأضعفه ممر السنين عليه وتدافع الماء حوله. وأتى أبناء قحطان إلى هذه الديار وتغلبوا على من كان فيها من القطان، ولم يعلموا الآفة في السد والمخراق وضعفه، وعند تناهي السد والبنيان في الضعف عن تحمله غلب الماء على السد والمخراق والبنيان إبان زيادة الماء، فقذف به في جريه ورمى به في تياره واستولى الماء على تلك الديار والجنان والعمائر والبنيان، حتى انقرض سكان تلك الأرض وزالوا عن تلك المواطن (1)، وذلك عندما انتهت الرئاسة فيهم إلى عمرو بن عامر بن ماء السماء بن حارثة الغطريف بن ثعلبة بن امرئ القيس بن مازن بن الأزد بن الغوث بن كهلان بن سبأ " (2).
قال المسعودي: " ورأى عمرو في النوم سيل العرم، فعلم أن ذلك واقع بهم وأن بلادهم ستخرب، فكتم ذلك وأخفاه وأجمع ان يبيع كل شئ له بأرض سبأ ويخرج منها هو وولده فابتاع الناس منه جميع ماله بأرض مأرب.