بعث فيهم رسولا من أنفسهم يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، لما كنا نعايش اليوم نسلا من عدنان، بل كانوا قد التحقوا بالعرب البائدة، وكانت تتجدد قصة أخرى عن هؤلاء البائدين.
إن شيوع الجهل والخرافات والفساد فيهم كان قد قرب حياتهم من حياة الحيوانات، بحيث ينقل لنا التأريخ قصصا متعددة عن حروب امتدت خمسين سنة بل مائة، ولم تبدأ إلا على مواضع حقيرة لا يعبأ بها.
إن عدم وجود حكومة متنفذة بينهم تضرب على أيدي الطغاة والبغاة من ناحية، ومن ناحية أخرى سوء الوضع الجغرافي للجزيرة من حيث الماء والكلأ، كانا عاملين جعلا أكثر العرب من البدو الرحل يجوبون الصحاري برواحلهم كل عام سعيا وراء الماء والكلأ، وإذا رأوا أثرا منهما نصبوا خيامهم حولها، وإذا علموا - أو أخبرهم رائدهم - بمكان أنفع مما هم فيه بدأوا الرحلة من جديد.
إن الجهل والفقر وفقدان النظام كان قد خيم على بيئة الجزيرة العربية بصورة ظاهرة بحيث أصبحت لهم تلك العادات القبيحة أمورا اعتيادية، فكثرت فيهم الغارات، واسر بعضهم، وتداول فيهم الربا والخمر والميسر.
انهم كانوا يثنون على المروة ويمجدون بالشجاعة، لكن مفهوم الشجاعة لديهم كان عبارة عن قتل أكبر عدد ممكن وسفك الدماء أكثر فأكثر. وكذلك الغيرة كانت لديهم بمعنى وأد البنات في القبور وهن أحياء.
ويرون الوفاء ان ينصروا عشيرتهم وحلفاءهم في كل شئ سواء كانوا على حق أم باطل.
لا يسألون أخاهم حين يندبهم * في النائبات على ما قال برهانا