وقال عمر بن الخطاب: رضي الله عنه في حديث اعتزال رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه: فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في خزانته، فإذا هو مضطجع على حصير، فأدنى عليه إزاره وجلس، وإذا الحصير أثرت بجنبه، وقلبت عيني في خزانة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا ليس فيها شئ من الدنيا غير قبضتين - أو قال قبضة - من شعير، وقبضة من قرظ نحو الصاعين، وإذا أفيق أو أفيقان معلقان، فابتدرت عيناي، قال:
ما يبكيك يا ابن الخطاب؟ قلت: يا رسول الله! وما لي لا أبكي وأنت صفوة الله ورسوله، وخيرته من خلقه، وهذه خزانتك، وهذه الأعاجم كسرى وقيصر، في الثمار والأنهار، وأنت هكذا؟ قال: يا ابن الخطاب، أما ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: فاحمد الله. وذكر الحديث.
وفي لفظ قال: فجلست فرفعت رأسي في البيت، فوالله ما رأيت فيه شيئا يرد البصر إلا أهب ثلاثة، فقلت: أدع الله يا رسول الله أن يوسع على أمتك، فقد وسع على فارس والروم وهم لا يعبدون الله، فاستوى جالسا فقال: أفي شك يا ابن الخطاب؟ أولئك عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا، فقلت: استغفر الله يا رسول الله.
وفي رواية أنس: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على سرير مرمول بالشريط، وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف، ودخل عليه عمر وناس من أصحابه، فانحرف النبي صلى الله عليه وسلم انحرافة، فرأى عمر - رضي الله عنه - أثر الشريط في جنبه فبكى، فقال له: ما يبكيك يا عمر؟ فقال عمر: وما لي لا أبكي وكسرى وقيصر يعيشان فيما يعيشان فيه من الدنيا، وأنت على الحال التي أرى؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:
يا عمر! أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟ قال: بلى، قال: هو كذلك.
ولأبي داود من حديث عمرو بن مرة عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال:
اضطجع النبي صلى الله عليه وسلم على حصير فأثر الحصير بجلده، فجعلت امسحه عنه وأقول:
بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ألا آذنتنا فنبسط لك شيئا يقيك منه تنام عليه؟
فقال: مالي وللدنيا؟ ما أنا والدنيا؟ إنما أنا والدنيا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها.
وخرجه الترمذي بهذا السند ولفظه: نام رسول الله على حصير فقام وقد أثر