فقام العبسي، فقال: (أيها الناس، هل فيكم أحد من عبس؟) قالوا:
نعم. قال: فاسمعوا مني، وافهموا عني، أني قد خلفت بالشام خمسين ألف شيخ خاضبي لحاهم بدموع أعينهم تحت قميص عثمان، رافعيه على أطراف الرماح، قد عاهدوا الله ألا يشيموا (1) سيوفهم حتى يقتلوا قتلته، أو تلحق أرواحهم بالله).
فقام إليه خالد بن زفر العبسي، فقال: بئس لعمر الله وافد الشام أنت، أتخوف المهاجرين والأنصار بجنود أهل الشام وبكائهم على قميص عثمان، فوالله ما هو بقميص يوسف ولا بحزن يعقوب، ولئن بكوا عليه بالشام، فقد خذلوه بالعراق).
ثم إن المغيرة بن شعبة دخل على علي رضي الله عنه، فقال: (يا أمير المؤمنين، إن لك حق الصحبة، فأقر معاوية على ما هو عليه من أمرة الشام، وكذلك جميع عمال عثمان، حتى إذا أتتك طاعتهم وبيعتهم استبدلت حينئذ أو تركت)، فقال علي رضي الله: (أنا ناظر في ذلك).
وخرج عنه المغيرة ثم عاد إليه من غد، فقال: (يا أمير المؤمنين، إني أشرت أمس عليك برأي، فلما تدبرته عرفت خطاه، والرأي أن تعاجل معاوية وسائر عمال عثمان بالعزل، لتعرف السامع المطيع من العاصي، فتكافئ كلا بجزائه) ثم قام، فتلقاه ابن عباس داخلا، فقال لعلي رضي الله عنه: (فيم أتاك المغيرة؟) فأخبره علي بما كان من مشورته بالأمس، وما أشار عليه بعد، فقال ابن عباس:
(أما أمس فإنه نصح لك، وأما اليوم فغشك.) وبلغ المغيرة ذلك، فقال: (صدق ابن عباس، نصحت له، فلما رد نصحي بدلت قولي)، ولما خاض الناس في ذلك سار المغيرة إلى مكة، فأقام بها ثلاثة أشهر، ثم انصرف إلى المدينة.
ثم إن عليا رضي الله عنه نادى في الناس بالتأهب للمسير إلى العراق، فدخل عليه سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، ومحمد بن مسلمة،