وهو يقول: (يا أهل الكوفة، أطيعوني تكونوا جرثومة (1) من جراثيم العرب، يأوي إليكم المظلوم، ويأمن فيكم الخائف، أيها الناس، إن الفتنة إذا أقبلت شبهت، وإذا أدبرت تبينت، وإن هذه الفتنة الباقرة (2) لا يدرى من أين تأتي، ولا من أين تؤتى، شيموا سيوفكم، وانزعوا أسنة رماحكم، واقطعوا أوتار قسيكم، والزموا قعور البيوت، أيها الناس، إن النائم في الفتنة خير من القائم، والقائم خير من الساعي).
فانتهى الحسن بن علي وعمار رضي الله عنهما إلى المسجد الأعظم وقد اجتمع عالم من الناس على أبي موسى، وهو يقول لهم هذا وأشباهه، فقال له الحسن:
(اخرج عن مسجدنا، وامض حيث شئت). ثم صعد الحسن المنبر، وعمار صعد معه، فاستنفرا الناس، فقام حجر بن عدي الكندي، وكان من أفاضل أهل الكوفة فقال: (انفروا خفافا وثقالا، رحمكم الله) فأجابه الناس من كل وجه: سمعا وطاعة لأمير المؤمنين، نحن خارجون على اليسر العسر والشدة والرخاء.
فلما أصبحوا من الغد خرجوا مستعدين، فأحصاهم الحسن، فكانوا تسعة آلاف وستمائة وخمسين رجلا، فوافوا عليا بذي قار قبل أن يرتحل. فلما هم بالمسير غلس الصبح، ثم أمر مناديا، فنادى في الناس بالرحيل، فدنا منه الحسن، فقال:
(يا أبت أشرت عليك حين قتل عثمان وراح الناس إليك وغدوا، وسألوك أن تقوم بهذا الأمر ألا تقبله حتى تأتيك طاعة جميع الناس في الآفاق، وأشرت عليك حين بلغك خروج الزبير وطلحة بعائشة إلى البصرة أن ترجع إلى المدينة، فتقيم في بيتك، وأشرت عليك حين حوصر عثمان أن تخرج من المدينة، فإن قتل قتل وأنت غائب، فلم تقبل رأيي في شئ من ذلك).