فقال عبيد الله: أصبت الرأي يا مهران.
ثم بعث من ساعته إلى الحارث بن قيس، فأتاه فأخبره بموت يزيد، واستشاره، فقال:
المستشار مؤتمن، فإن أردت المقام منعناك معاشر الأزد، وإن أردت الاستخفاء اشتملنا عليك حتى يسكن عنك الطلب، ويخفى على الناس موضعك، ثم نوجه معك من يبلغك مأمنك.
فقال عبيد الله: هذا أريد.
فقال له الحارث: فأنا أقيم عندك، إلى أن تمسي ويختلط الظلام، ثم أنطلق بك إلى الحي.
فأقام الحارث عند عبيد الله.
فلما أمسى واختلط الظلام أمر عبيد الله أن توقد السرج في منزله ليلته كلها، ليظن من يطلبه أنه في منزله، ثم قام فلبس ثيابه، واعتم بعمامته وتلثم.
فقال له الحارث: (التلثم بالنهار ذل، وبالليل ريبة، فاحسر عن وجهك، وسر خلفي، فإن المقدم وقاية للمؤخر)، فسار.
فقال للحارث: تخلل بنا فداك - أبي وأمي - الطرق، ولا تأخذ بنا طريقا واحدا، فإني لا آمن أن يطلب أثري.
فقال الحارث: لا بأس عليك، إن شاء الله، فاطمأن.
ثم سارا هويا.
فقال للحارث: أين نحن؟.
قال: في بني مسلم.
قال: سلمنا إن شاء الله.
ثم سارا جميعا ساعة، فقال: أين نحن؟.
قال الحارث في بني ناجية.
قال: نجونا إن شاء الله.
ثم سارا حتى انتهيا إلى الأزد، وأقحم الحارث بعبيد الله دار مسعود بن عمرو،