خلفك رجالا وأموالا، والقوم لا رجال عندهم ولا أموال، ولن يدركك الوجيف (1) بالدبيب، ولا الجد بالتعذير، وقد بعثت إليك عبيد الله بن موهب، ليأخذك بمناجزة القوم وترك مطاولتهم، والسلام).
فلما قدم عبيد الله بن موهب على المهلب بكتاب الحجاج كتب إليه في جوابه:
(أما بعد، فإنه أتاني من قبلك رجلان، لم أعطهما على الصدق ثمنا، ولم أحتج مع العيان إلى التقدير، ولم يكذبا فيما أنبأك به من أمري وأمر عدوي، والحرب لا يدركها إلا المكيث، ولا بد لها من فرجة يستريح فيها الغالب، ويحتال فيها المغالب، ويحتال فيها المغلوب، فأما أن أنساهم وينسوني فهيهات من ذلك، والقوم سدى، فإن طمعوا أقاموا، وإن يئسوا هربوا، فعلي في مقامهم القتال والحرب، وفي هربهم الجد والطلب، وأنا إذا طاولتهم شاركتهم في رأيهم، وإذا عاجلتهم شركوني في رأيي، فإن خليتني ورأيي فذاك داء محسوم وقرن مفصوم، وإن عجلتني لم أطعك ولم أعصك، وكان وجهي إليك بإذن منك، وأنا أعوذ بالله من سخط الأمراء ومقت الأئمة، والسلام.
فلما قرأ الحجاج كتابه كتب إلى المهلب: أني قد رددت الرأي إليك، فدبر ما ترى، واعمل ما تريد).
فلما أتاه كتاب الحجاج بذلك نشط لطلب الخوارج.
وسار في طلبهم إلى أرض قومس فهربوا منه، فأتوا (جيرفت) وتحصنوا في مدينة هناك، فخرج خلفهم، وحاصرهم في تلك المدينة حتى أكلوا خيلهم.
وأمر المهلب ابنه يزيد أن يقيم عليهم أياما، ثم يخلي لهم عن الباب، فإذا خرجوا وأصحروا اتبعهم.
وتنحى المهلب فعسك على خمسة فراسخ، وأقام عليهم يزيد أياما، ثم خلى لهم عن الباب، فخرجوا، واتبعهم المهلب.