وكانوا في جميع مسيرهم لا يلقون أحدا إلا قالوا له: (ما تقول في الحكمين؟) فإن تبرأ منهما تركوه، وإن أبى قتلوه ثم أقبلوا حتى انتهوا إلى دجلة، فعبروها من ناحية صريفين (1) حتى وافوا نهروان، فكتب إليهم علي رضي الله عنه: (بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن وهب الراسبي ويزيد بن الحصين ومن قبلهما، سلام عليكم، فإن الرجلين اللذين ارتضيناهما للحكومة خالفا كتاب الله، واتبعا هواهما بغير هدى من الله، فلما لم يعملا بالسنة ولم يحكما بالقرآن تبرأنا من حكمهما، ونحن على أمرنا الأول، فأقبلوا إلي رحمكم الله، فإنا سائرون إلى عدونا وعدوكم، لنعود لمحاربتهم حتى يحكم الله بيننا وبينهم، وهو خير الحاكمين).
فلما وصل إليهم كتابه، كتبوا إليه: (أما بعد، فإنك لم تغضب لربك، ولكن غضبت لنفسك، فإن شهدت على نفسك أنك كفرت فيما كان من تحكيمك الحكمين، واستأنفت التوبة والإيمان نظرنا فيما سألتنا من الرجوع إليك، وإن تكن الأخرى، فإننا ننابذك على سواء، إن الله لا يهدي كيد الخائنين).
فلما قرأ علي كتابهم، يئس منهم، ورأى أن يدعهم على حالهم، ويسير إلى الشام، ليعاود معاوية الحرب، فسار بالناس حتى عسكر بالنخيلة، وقال لأصحابه:
(تأهبوا للمسير إلى أهل الشام، فإني كاتب إلى جميع إخوانكم ليقدموا عليكم، فإذا وافوا شخصنا إن شاء الله). ثم كتب كتابه إلى جميع عماله أن يخلفوا خلفاءهم على أعمالهم، ويقدموا عليه، وكتب إلى عبد الله بن عباس، وكان على البصرة: (أما بعد، فإنا قد عسكرنا بالنخيلة، وقد أزمعنا على المسير إلى عدونا، إلى أهل الشام، فأشخص إلي فيمن قبلك حين يأتيك كتابي والسلام). فقدم عليه عبد الله بن عباس في فرسان البصرة، وكانوا زهاء سبعة آلاف رجل