قالوا: ولما انهزمت العجم من القادسية وقتل صناديدهم مروا على وجوههم حتى لحقوا بالمدائن، وأقبل المسلمون حتى نزلوا على شط دجلة بإزاء المدائن، فعسكروا هناك، وأقاموا فيه ثمانية وعشرين شهرا، حتى أكلوا الرطب مرتين، وضحوا أضحيتين، فلما طال ذلك على أهل السواد صالحه عامة الدهاقين بتلك الناحية.
ولما رأى يزدجرد ذلك جمع إليه عظماء مرازبته، فقسم عليهم بيوت أمواله وخزائنه، وكتب عليهم بها القبالات (1)، وقال: إن ذهب ملكنا، فأنتم أحق به، وإن رجع رددتموه علينا، ثم تحمل في حرمه وحشمه، وخاصة أهل بيته، حتى أتى حلوان (2)، فنزلها، وولى خرزاد بن هرمز أخا رستم المقتول بالقادسية الحرب، وخلفه بالمدائن.
وبلغ ذلك سعدا، فتأهب، وأمر أصحابه أن يقتحموا دجلة، وابتدأ، فقال باسم الله، ودفع فرسه فيها، ودفع الناس، فسلموا عن آخرهم إلا رجلا غرق، وكان على فرس شقراء (3)، فخرجت الفرس تنفض عرفها، وغرق راكبها، وكان من طيئ، يسمى سليك بن عبد الله، فقال سلمان، وكان حاضرا يومئذ: يا معشر المسلمين، إن الله ذلل لكم البحر، كما ذلل لكم البر، أما والذي نفس سلمان بيده، ليغيرن فيه، وليبدلن.
قالوا: ولما نظرت الفرس إلى العرب قد أقحموا دوابهم الماء وهم يعبرون، تنادوا (ديوان آمدند، ديوان آمدند) (4)، فخرج خرزاد في الخيل حتى وقف على الشريعة، ونادى: يا معشر العرب، البحر بحرنا، فليس لكم أن تقتحموه علينا.
وأقبلوا يرمون العرب بالنشاب، واقتحم منهم ناس كثير الماء، فقاتلوا ساعة،