ثم إن سعدا تقدم إلى عمرو بن معدى كرب، وقيس بن هبيرة، وشرحبيل بن السمط، وقال: إنكم شعراء وخطباء وفرسان العرب، فدوروا في القبائل والرايات، وحرضوا الناس على القتال.
قال: ثم زحف الفريقان بعضهم إلى بعض، وقد صف العجم ثلاثة عشر صفا، بعضها خلف بعض، وصفت العرب ثلاثة صفوف، فرشقتهم العجم بالنشاب حتى فشت فيهم (1) الجراحات، فلما رأى قيس بن هبيرة ذلك، قال لخالد ابن عرفطة، وكان أمير الأمراء: أيها الأمير، إنا قد صرنا لهؤلاء القوم غرضا، فاحمل عليهم بالناس حملة واحدة، فتطاعن الناس بالرماح مليا، ثم أفيضوا إلى السيوف.
وكان زيد بن عبد الله النخعي صاحب الحملة الأولى، فكان أول قتيل، فأخذ الراية أخوه أرطأة، فقتل، ثم حملت بجيلة، وعليها جرير بن عبد الله، وحملت الأزد، وثار القتام، واشتد القتال، فانهزمت العجم حتى لحقوا برستم، وترجل رستم، وترجل معه الأساورة والمرازبة وعظماء الفرس، وحملوا، فجال المسلمون جولة.
وكلم أبو محجن أم ولد سعد، فقال: أطلقيني من قيدي، ولك على عهد الله إن لم أقتل أن أرجع إلى محبسي هذا، وقيدي. ففعلت، وحملته على فرس لسعد أبلق (2)، فانتهى إلى القوم مما يلي الأزد، وبجيلة، مما يلي الميمنة، فجعل يحمل، ويكشف العجم، وقد كانوا كثروا على بجيلة، فجعل سعد يعجب، ولا يدري من هو، ويعرف الفرس.
وبعث سعد إلى جرير بن عبد الله، وكان معه لواء بجيلة، وإلى الأشعث بن قيس، ومعه لواء كندة، وإلى رؤساء القبائل: أن احملوا على القوم من ناحية الميمنة على القلب، فحمل الناس عليهم من كل وجه، وانتقضت تعبية الفرس، وقتل رستم، وولت العجم هاربة، وانصرف إلى محبسه أبو محجن، وطلب رستم في المعركة،