فأصيب بين القتلى، وبه مائة جراحة، ما بين طعنة وضربة، ولم يدر من قتله، ويقال: بل ارتطم في نهر القادسية، فغرق، وانتهت هزيمة العجم إلى دير كعب، فنزلوا هناك، فاستقبلهم النخارجان، وقد وجهه يزدجرد مددا، فوقف بدير كعب، فكان لا يمر به أحد من الفل إلا حبسه قبله.
ثم عبى القوم، وكتبوا كتائبهم وأوقفوهم مواقفهم حتى وافتهم العرب، وتواقف الفريقان، وبرز النخارجان، فنادى، مرد ومرد، أي رجل ورجل، فخرج إليه زهير بن سليم أخو مخنف بن سليم الأزدي، وكان النخارجان سمينا بدينا جسيما، وزهير رجلا مربوعا (1) شديد العضدين والساعدين، فرمى النخارجان نفسه عن دابته عليه، فاعتركا، فصرعه النخارجان، وجلس على صدره، واستل خنجره ليذبحه، فوقعت إبهام النخارجان في فم زهير، فمضغها، واسترخى النخارجان، وانقلب عليه زهير، وأخذ خنجره وأدخل يده تحت ثيابه، فبعجه (2)، وقتله.
وكان برذون النخارجان مدربا، فلم يبرح، فركبه زهير وقد سلبه سواريه ودرعه وقباءه ومنطقته، فأتى به سعدا، فأغنمه إياه، وأمره سعد أن يتزيى بزيه، ودخل على سعد، فكان زهير بن سليم أول من لبس من العرب السوارين، وحمل قيس بن هبيرة على جيلوس رأس المستميتة، فقتله، وحمل المسلمون من كل جانب، فانهزمت العجم، وبادر جرير بن عبد الله إلى القنطرة، فعطفوا عليه، فاحتملوه برماحهم، فسقط إلى الأرض، ولحقه أصحابه، وهربت عنه العجم، ولم يصبه شئ، وعار فرسه (3)، فلم يلحق، فأتي ببرذون من مراكب الفرس في عنقه قلادة زمرد، فركبه، وذهبت العجم على وجوهها حتى لحقت بالمدائن.
وكتب سعد إلى عمر رضي الله عنه بالفتح. وكان عمر يخرج في كل يوم ماشيا وحده، لا يدع أحدا يخرج معه، فيمشي على طريق العراق ميلين أو ثلاثة،