وخرج من المعسكر، واستيقظ صاحب الفرس، فنادى في أصحابه، وركب في أثره، فلحقوه، وقد أضاء الصبح، فبدر صاحب الفرس إليه، ووقف له طليحة، فاطعنا، فقتله طليحة، ولحقه فارس آخر، فقتله طليحة، ولحقه ثالث، فأسره طليحة، وحمله على دابته، وأقبل به نحو عسكر المسلمين، فكبر الناس، ودخل على سعد، وأخبره الخبر.
وأقام رستم بدير الأعور معسكرا أربعة أشهر، وأرادوا (1) مطاولة العرب ليضجروا، وكان المسلمون إذا فنيت أزوادهم وأعلافهم جردوا الخيل، فأخذت على البر حتى تهبط على المكان الذي يريدون، ويغيرون، فينصرفون بالطعام والعلف والمواشي.
ثم إن عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي موس يأمره أن يمد سعدا بالخيل، فوجه إليه أبو موسى المغيرة بن شعبة في ألف فارس، وكتب إلى أبي عبيدة بن الجراح، وهو بالشام يحارب الروم أن يمد سعدا بخيل، فأمده بقيس بن هبيرة المرادي في ألف فارس، وكان في القوم هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، وكانت عينه فقئت يوم اليرموك، وفيهم الأشعث بن قيس، والأشتر النخعي، فساروا حتى قدموا على سعد بالقادسية.
وأن يزدجرد الملك كتب إلى رستم يأمره بمناجزة العرب، فزحف رستم بجنوده وعساكره حتى وافى القادسية، فعسكر على ميل من معسكر المسلمين، وجرت الرسل فيما بينه وبين سعد شهرا، ثم أرسل إلى سعد: أن ابعث إلى من أصحابك رجلا، له فهم وعقل وعلم، لأكلمه، فبعث إليه بالمغيرة بن شعبة، فلما دخل عليه قال له رستم: (إن الله قد أعظم لنا السلطان، وأظهرنا على الأمم، وأخضع لنا الأقاليم، وذلل لنا أهل الأرضين، ولم يكن في الأرض أمة أصغر قدرا عندنا منكم، لأنكم أهل قلة وذلة وأرض جدبة، ومعيشة ضنك، فما حملكم على تخطيكم إلى