إلى الفلاليج (1) والأستانات، فقال أهل الحيرة للمثنى: (إن بالقرب منا قرية فيها سوق عظيم، تقوم في كل شهر مرة، فتأتيها تجار فارس والأهواز وسائر البلاد، فإن قدرت على الغارة على تلك السوق أصبت أموالا رغيبة) يعنون سوق بغداد، وكانت قرية تقوم بها سوق في كل شهر.
فأخذ المثنى على البر حتى أتى الأنبار (2)، فتحصن منه أهلها، فأرسل إلى بسفروخ مرزبانها ليسير إليه، فيكلمه بما يريد، وجعل له الأمان، فأقبل المرزبان حتى عبر إليه، فخلا به المثنى، وقال: (إني أريد أن أغير على سوق بغداد، فأريد أن تبعث معي أدلاء، فيدلوني على الطريق، وتسوى لي الجسر، لأعبر الفرات)، ففعل المرزبان ذلك، وقد كان قطع الجسر لئلا تعبر العرب إليه، فعبر المثنى مع أصحابه، وبعث المرزبان معه الأدلاء، فسار حتى وافى السوق ضحوة، فهرب الناس، وتركوا أموالهم، فملأوا أيديهم من الذهب والفضة، وسائر الأمتعة، ثم رجع إلى الأنبار، ووافى معسكره.
ولما بلغ سويد بن قطبة العجلي أمر المثنى بن حارثة، وما نال من الظفر يوم مهران كتب إلى عمر بن الخطاب، يعلمه وهن الناحية التي هو بها، ويسأله أن يمده بجيش. فندب عمر بن الخطاب لذلك الوجه عتبة بن غزوان المازني، وكان حليفا لبني نوفل بن عبد مناف، وكانت له صحبة من رسول الله ص، وضم إليه ألفي رجل من المسلمين، وكتب إلى سويد بن قطبة يأمره بالانضمام إليه.
فلما سار عتبة شيعة عمر رضي الله عنه، فقال: (يا عتبة، إن إخوانك من المسلمين قد غلبوا على الحيرة، وما يليها، وعبرت خيلهم الفرات حتى وطئت بابل، مدينة هاروت وماروت ومنازل الجبارين، وإن خيلهم اليوم لتغير حتى تشارف المدائن، وقد بعثتك في هذا الجيش، فاقصد قصد أهل الأهواز، فاشغل أهل تلك الناحية، أن يمدوا أصحابهم بناحية السواد على إخوانكم الذين هناك، وقاتلهم مما يلي الأبلة).