ولا يختص الحاكم بالتضييق، بل قد يكون موسعا، كما في حالات التنزيل نظير قولهم: " الطواف بالبيت صلاة "، فإنه حاكم على أدلة احكام الصلاة من قبيل: " لا صلاة الا بطهور " لأنه ناظر إلى تلك الأحكام وموسع لموضوعها بالتنزيل إذ ينزل الطواف منزلة الصلاة.
ويلاحظ من خلال ما ذكرناه التشابه بين الدليل الوارد النافي لموضوع الحكم في الدليل المورود، وبين الدليل الحاكم الناظر إلى موضوع القضية في الدليل المحكوم، ولكنهما يختلفان اختلافا أساسيا، لان الدليل الوارد ناف لموضوع الحكم في الدليل المورود حقيقة، واما الدليل الحاكم المذكور فهو يستعمل النفي كمجرد لسان لاجل التنبيه على أنه ناظر إلى الدليل المحكوم وقرينة عليه.
ويترتب على هذا الاختلاف الأساسي بين الدليل الوارد والدليل الحاكم المذكور، ان تقدم الدليل الوارد بالورود لا يتوقف على أن يكون فيه ما يشعر أو يدل على نظره إلى الدليل المورود ولحاظه له لأنه ينفي موضوع الدليل المورود ومع نفيه لموضوعه ينتفي حكمه حتما سواء كان ناظرا إليه أو لا، واما الدليل الحاكم فهو حتى لو كان لسانه لسان نفي الموضوع لا ينفي موضوع الدليل المحكوم حقيقة، وانما يستعمل هذا اللسان لكي ينفي الحكم، فمفاد الدليل الحاكم لبا وحقيقة نفي الحكم، ولكن بلسان نفي الموضوع، وهذا اللسان يؤتى به لكي يثبت نظر الدليل الحاكم إلى مفاد الدليل المحكوم وتقدمه عليه بالقرينية، وكلما انتفى ظهور في النظر انتفت قرينيته، وبالتالي زال السبب الموجب لتقديمه.
النحو الثاني: الاعداد العرفي النوعي بمعنى ان المتكلم العرفي استقر بناؤه عموما كلما تكلم بكلامين من هذا القبيل ان يجعل من أحدهما المعين قرينة على الآخر، وحيث إن الأصل في كل متكلم انه يجري وفق المواضعات العرفية