والآخر أن الوضوء واجب شرعا لأنه مقدمة للواجب، ومقدمة الواجب واجبة شرعا، فهناك إذن واجبان شرعيان على المكلف: أحدهما الصلاة، والآخر الوضوء بوصفه مقدمة الصلاة.
ويسمى الأول ب " الواجب النفسي "، لأنه واجب لاجل نفسه.
ويسمى الثاني ب " الواجب الغيري "، لأنه واجب لاجل غيره، أي لاجل ذي المقدمة وهو الصلاة.
وهذا التفسير أخذ به جماعة من الأصوليين إيمانا منهم بقيام علاقة تلازم بين وجوب الشئ، ووجوب مقدمته فكلما حكم الشارع بوجوب فعل حكم عقيب ذلك مباشرة بوجوب مقدماته.
ويمكن الاعتراض على ذلك بأن حكم الشارع بوجوب المقدمة في هذه الحالة لا فائدة فيه ولا موجب له، لأنه أراد به إلزام المكلف بالمقدمة فهذا حاصل بدون حاجة إلى حكمه بوجوبها، إذا بعد أن وجب الفعل المتوقف عليها يدرك العقل مسؤولية المكلف من هذه الناحية، وأن أراد الشارع بذلك مطلبا آخر دعاه إلى الحكم بوجوب المقدمة فلا نتعقله، وعلى هذا الأساس يعتبر حكم الشارع بوجوب المقدمة لغوا فيستحيل ثبوته، فضلا عن أن يكون ضروري الثبوت كما يدعيه القائل بالتلازم بين وجوب الشئ، ووجوب مقدمته.