بداية الوصول في شرح كفاية الأصول - الشيخ محمد طاهر آل الشيخ راضي - ج ١ - الصفحة ٣٧٢
نعم فيما كان الآمر بصدد البيان، فقضية مقدمات الحكمة هو الحمل على الوجوب، فإن الندب كأنه يحتاج إلى مؤونة بيان التحديد والتقييد بعدم المنع من الترك، بخلاف الوجوب، فإنه لا تحديد فيه للطلب ولا تقييد، فإطلاق اللفظ وعدم تقييده مع كون المطلق في مقام البيان، كاف في بيانه (1)
____________________
(1) وحاصله انه إذا لم نقل بكون الصيغة ظاهرة في الوجوب للتبادر، أو لما مر من الوجوه يمكن ان نقول: ان الصيغة لها الظهور في الوجوب لمقدمات الحكمة.
وحاصلها: انه إذا كان الآمر في مقام البيان، وعلمنا بأنه يريد فردا من افراد الطلب ولا قرينة لفظية أو حالية تعينه، نقول: انه لابد وان يريد بالصيغة هو الطلب الوجوبي دون الطلب الندبي، لأن الفرق بين الطلب الوجوبي والندبي بعد اشتراكهما في أصل الطلب: هو ان الطلب الوجوبي يزيد على الجامع بشدة الإرادة وتأكدها، فزيادته من جنس ما به الاشتراك بينه وبين الندب، فحقيقة فصله الذي به يمتاز عن الندب من نفس طبيعة جنسه وهو أصل الطلب والإرادة، والطلب الندبي هو المرتبة الضعيفة من الطلب بحيث لم تبلغ مرتبة الشدة التي لا يرضى المولى تركها، ففصله الذي يمتاز به عن الوجوب هو عدم تأكد الإرادة وعدم شدتها، فالوجوب حقيقته نفس الطلب لكن بمرتبة شديدة والمرتبة الشديدة هي من طبيعة الطلب، والندب حقيقته طلب وعدم شدة وتأكد، ففصله امر عدمي وفصل الوجوب امر وجودي من نفس حقيقة الطلب.
فإذا تمت هذه المقدمة نقول: بعد ان كان المولى يريد فردا من الطلب، فإذا كان مريد الفرد الوجوبي لا يحتاج إلى ضم شيء إلى حقيقة الطلب لبيان فصل الوجوب، لما عرفت ان فصله من نفس طبيعة الطلب، فتكون الدلالة على الطلب كافية فيه، بخلاف ما إذا كان مريدا للندب فإنه يحتاج إلى أن يضم إلى الطلب شيئا خارجا عن حقيقة الطلب وهو الامر العدمي، وحيث إن المفروض انه لم ينصب دالا على هذا العدم، فلو كان مريدا له لكان ناقضا لغرضه، فيتم الظهور للصيغة في الوجوب
(٣٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 364 366 368 369 370 372 373 374 375 376 377 ... » »»
الفهرست