الخامس - لا ريب في كون الالفاظ موضوعة بإزاء معانيها من حيث هي لا من حيث هي مرادة للافظها، لما عرفت بما لا مزيد عليه: من أن قصد المعنى على انحائه من مقومات الاستعمال، فلا يكاد يكون من قيود المستعمل فيه.. هذا مضافا إلى ضرورة صحة الحمل والاسناد في الجمل بلا تصرف في ألفاظ الأطراف.. مع أنه لو كانت موضوعة لها بما هي مرادة، لما صح بدونه، بداهة ان المحمول على (زيد) في (زيد قائم) والمسند اليه في (ضرب زيد) - مثلا - هو نفس القيام والضرب لا بما هما مرادان.. مع أنه يلزم كون وضع عامة الالفاظ عاما والموضوع له خاصا، لمكان اعتبار خصوص إرادة اللافظين فيما وضع له اللفظ، فإنه لا مجال لتوهم اخذ مفهوم الإرادة فيه، كما لا يخفى. وهكذا الحال في طرف الموضوع.
وأما ما حكي عن العلمين: الشيخ الرئيس والمحقق الطوسي: من مصيرهما إلى أن الدلالة تتبع الإرادة، فليس ناظرا إلى كون الالفاظ موضوعة للمعاني بما هي مرادة - كما توهمه بعض الأفاضل -، بل ناظر إلى أن دلالة الالفاظ على معانيها بالدلالة التصديقية: أي دلالتها على كونها مرادة للافظها تتبع ارادتها منها. وتتفرع عليها تبعية مقام الاثبات للثبوت، وتفرع الكشف على الواقع المكشوف، فإنه لولا الثبوت في الواقع لما كان للاثبات والكشف والدلالة مجال، ولذا لابد من احراز كون المتكلم بصدد الإفادة في اثبات إرادة ما هو ظاهر كلامه ودلالته على الإرادة، وإلا لما كانت لكلامه هذه الدلالة، وان كانت له الدلالة