فصل المشهور بين الأصحاب حجية خبر الواحد في الجملة بالخصوص، ولا يخفى أن هذه المسألة من أهم المسائل الأصولية، وقد عرفت في أول الكتاب (1) أن الملاك في الأصولية صحة وقوع نتيجة المسألة في طريق الاستنباط، ولو لم يكن البحث فيها عن الأدلة الأربعة، وإن اشتهر في ألسنة الفحول كون الموضوع في علم الأصول هي الأدلة، وعليه لا يكاد يفيد في ذلك - أي كون هذه المسألة أصولية - تجشم دعوى (2) أن البحث عن دليلية الدليل بحث عن أحوال الدليل، ضرورة أن البحث في المسألة ليس عن دليلية الأدلة، بل عن حجية الخبر الحاكي عنها، كما لا يكاد يفيد عليه تجشم دعوى (3) أن مرجع هذه المسألة إلى أن السنة - وهي قول الحجة أو فعله أو تقريره - هل تثبت بخبر الواحد، أو لا تثبت إلا بما يفيد القطع من التواتر أو القرينة؟ فإن التعبد بثبوتها مع الشك فيها لدى الاخبار بها ليس من عوارضها، بل من عوارض مشكوكها، كما لا يخفى، مع أنه لازم لما يبحث عنه في المسألة من حجية الخبر، والمبحوث عنه في المسائل إنما هو الملاك في أنها من المباحث أو من غيره، لا ما هو لازمه، كما هو واضح.
(٢٩٣)