وتفصيل الكلام في تلك الشبهات وما يتعلق بها من الأجوبة والإيرادات موكول إلى علم الكلام، ولبعضها في هذا الفن محل آخر في مسألة الحسن والقبح العقليين وحيث ثبت بالضرورة العقلية بطلان القول بالجبر وما يرجع إليه تحقق بطلان تلك الوجوه بأسرها، فلا حاجة إلى ذكرها في هذا المقام.
وأما الوجوه النقلية فهي شاملة للقسمين، بل قد يحتج بها على جواز التكليف بالجمع بين الضدين.
فمنها: أنه سبحانه أخبر نوحا (عليه السلام) بأنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن وأخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن أبا لهب لا يصدقه، ومع ذلك فقد كلفهم بتصديق النبي فيما يخبر به، ومنه إخبارهم بعدم تصديقهم له، ومن ضرورة ذلك تكليفهم بأن لا يصدقوه، تصديقا له في خبره أنهم لا يؤمنون، وفي ذلك تكليفهم بتصديقه وعدم تصديقه، وهو تكليف بالجمع بين الضدين.
وأجيب بالمنع من وجود الإخبار بعدم الإيمان في الآيتين، والمنع من تكليفهم بتصديق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما أخبر به من ذلك.
وفساد المنعين في غاية الظهور، كما أن الاحتجاج المذكور من غرائب الأمور، لوضوح أن التكليف بتصديق النبي في اخباره باختيارهم الكفر لا يقتضي الأمر باختيار الكفر النهي (1) عن تصديقه الموجب لتكذيبه، لوضوح امتناع التكليف بذلك إنما يلزم ذلك لو كلفوا بفعل ما أخبر بوقوعه، وهو واضح المنع.
وغاية ما يعقل في تقرير الاحتجاج بذلك أن يقال: إن تكليف المذكورين بالإيمان يستلزم تكليفهم بتصديقه في عدم تصديقه، وهو باطل، إذ يلزم من وجوده عدمه. فكان على المستدل لو عقل تقريره على هذا الوجه - مع أنه أيضا غير معقول - فإن النبي (صلى الله عليه وآله) إنما كلف القوم باختيار الإيمان وتصديقه في جميع ما أخبر به، ولو أنهم أطاعوه في ذلك لم يخبر بعدم إيمانهم، لكنه علم بعدم تصديقهم له في ذلك بسوء اختيارهم فأخبر به بعد تكليفهم بما ذكر. فليس هذا الخبر من